للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إكمال الله عز وجل الدين]

بعد أن ألقى النبي صلى الله عليه وسلم خطبته في عرفة أنزل الله عليه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:٣]، فأمر بلالاً أن يؤذن أذاناً واحداً للظهر والعصر ثم يقيم إقامتين، فصلى الظهر والعصر جمعاً وقصراً، وبعد أن صلى الظهر والعصر وقف بعرفة في بطن الوادي يدعو الله عز وجل حتى غابت الشمس وتم غروبها، ولم يفض من عرفة إلا بعد غروبها، ثم بعد أن أتم الوقوف بعرفة أفاض إلى مزدلفة، قال عز وجل: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} [البقرة:١٩٨].

وفي مزدلفة صلى المغرب والعشاء جمع تأخير بأذان وإقامتين، ثم نام بعد العشاء صلى الله عليه وسلم، ثم استيقظ لصلاة الفجر وصلى الفجر، وما انصرف من مزدلفة إلا بعد أن أسفر جداً، أي: بعد أن وضح النهار وقبل شروق الشمس، فالمبيت في مزدلفة واجب يهدر من كثير من الحجاج، وترك الواجب يجبر بفدية، وهي بدم، أو صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، وبعد أن أسفر صلى الله عليه وسلم في مزدلفة توجه إلى منى فأخذ الحصيات السبع، ورمى جمرة العقبة قبل شروق الشمس في يوم النحر، ثم ذبح صلى الله عليه وسلم بيده الطاهرة ثلاثاً وستين بدنة وأعطى علياً تمام المائة.

وأريد أن تتأمل في النص؛ فقد ذبح ثلاثاً وستين ومات لثلاث وستين صلى الله عليه وسلم.

وبعد أن رمى صلى الله عليه وسلم جمرة العقبة عاد إلى مكة وطاف طواف الإفاضة الذي هو ركن في الحج.

ثم بعد ذلك عاد إلى منى في أيام التشريق يرمي الجمرات، وكان آخر شيء أن ودع البيت بالطواف؛ لأنه قال: (اجعلوا آخر عهدكم بالبيت)، فطواف الوداع واجب على النحو الذي سنبينه إن شاء الله تعالى.

وبهذا تمت أعمال الحج، ووضح النبي صلى الله عليه وسلم للأمة النسك، ثم عاد بعد ذلك إلى المدينة، لا ليستريح، وإنما ليواصل رحلة الدعوة إلى الله عز وجل.

وشاء الله سبحانه أن يمكث أشهراً من حجته، ثم جاءه ملك الموت ليخيره بين لقاء ربه وبين الخلود في الدنيا، فخرج إلى أصحابه وهو يقول لهم: (إن عبداً خيره الله بين الدنيا والآخرة فاختار لقاء ربه، فقال أبو بكر: فداك أبي وأمي يا رسول الله! قال أبو سعيد: فتعجبنا، علمنا أن المخير هو النبي صلى الله عليه وسلم، وعلمنا أن الصديق هو أفقهنا لدين الله سبحانه)؛ لأنه علم أن المخير بين لقاء ربه وبين الخلود هو النبي عليه الصلاة والسلام، ولذلك أهل السنة مجمعون على أن الصديق هو أفضل الأمة بعد نبيها، يقول أبو نعيم في حليته في ترجمة أبي بكر: هو الصديق الملقب بالعتيق صاحب النبي في الحضر والأسفار، ورفيقه بعد الموت في الروضة المحفوفة بالأنوار، المنزل فيه من عالم الأسرار: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة:٤٠].

اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، اللهم اكتب لنا حجاً مبروراً وذنباً مغفوراً.

اللهم قدر لنا الصلاة في بيتك الحرام، اللهم قدر لنا الوقوف بعرفة.

اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا.

اللهم انصر دينك في مشارق الأرض ومغاربها.

اللهم ارزقنا شهادة في سبيلك وموتة في مدينة نبيك.

اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا، ونسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار.

اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا.

اللهم إن أردت بقوم فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين ولا مبدلين يا رب العالمين.

اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.

اللهم حرر الأقصى من الغاصبين وطهر الأقصى من نجس المشركين.

اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.

اللهم أيد مجاهدي فلسطين بنصرك يا رب العالمين! اللهم اربط على قلوبهم، اللهم سدد رميهم، ووفق جمعهم، واجعل الدائرة على عدوهم.

اللهم زلزل اليهود، اللهم جمد الدم في عروقهم، اللهم أرنا فيهم آية؛ فإنهم لا يعجزونك يا رب العالمين! أنت ربنا ورب المستضعفين، إلى من تكلنا يا رب العالمين؟ أيد دينك بنصرك يا رب العالمين! اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر.

{رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:٨].

{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:٢٠١].

وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.