للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدعوة إلى الله لا تعرف أرضاً ولا زمناً

أحبتي الكرام! إن البخاري جاء بحديث في باب: الفهم في العلم، ونفس الحديث أعاده في باب: الإمام يطرح المسألة على أصحابه ليختبر ما عندهم من علم.

فعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم: (بينما موسى عليه السلام قام واعظاً في بني إسرائيل)، يعظهم يذكرهم بالله؛ لأن الموعظة من أساليب الدعوة، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يعظ أصحابه بين الحين والآخر، ولا نقصر الموعظة على المساجد، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يعظهم وهو على الدابة يركب الدابة: (يا معاذ!)، ويقول: (يا ابن عباس! أتدري ما حق الله على العباد؟)، (كان متكئاً فجلس)، (وخط خطاً واحداً، وخط خطوطاً متعرجة)، ففي كل مقام كان يعظ الناس، فالدعوة إلى الله لا تعرف أرضاً ولا وقتاً ولا زمناً، قال تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا} [نوح:٥]، دعوة شاملة في كل وقت، وقال تعالى: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [يوسف:٣٩]، فيوسف وهو في السجن يدعو إلى التوحيد، كذلك إذا كنت طبيباً ودخل عليك مريض قل ما شئت؛ لأن المريض جاء لتكشف عليه ويستمع إليك وتعطيه الدواء، فاجعل له جلسة؛ لأنه صاحب حاجة، وصاحب الحاجة مستمع، وهذا ما صنعه يوسف مع صاحبيه في السجن: {قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف:٣٦]، فالسؤال كان عن تفسير رؤيا، فهل فسرها يوسف أولاً؟ ابداً، بدأ أولاً بالدعوة إلى الله.

قال: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف:٣٩ - ٤٠]، هذه كلها مقدمة قبل تفسير الرؤيا، وبذلك يكون قد فعل ما يجب عليه وهو أمر الدعوة إلى الله.

مدرس دخل الفصل فكتب التاريخ الهجري قبل التاريخ الميلادي وقال لتلامذته: السلام عليكم ورحمة الله، ثم بدأ قبل أن يشرح بنقطة في العقيدة، أخذ يعلمهم أن الذي يُسأل هو الله، وأن لله واجباً عليهم هو حق العبادة، ثم بعد ذلك يأخذ في الشرح، يبدأ بالدعوة ويختم بالدعوة، إذا رأى طالباً حلق حلاقة قزع قال له: قم يا بني! هذه الحلاقة منهي عنها، وأنا أحبك وأريد الخير لك، فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن القزع، وهو أن تحلق جزءاً وتترك جزءاً آخر، والقزع سمت من لا خلاق له، وأنت مسلم من أبوين مسلمين، فاحذر يا بني أن أراك على هذه الطريقة.

فإذا بالطالب يأتي في اليوم التالي وقد ترك القزع.

فإذا رأيت أمراً يخالف الشرع وأنت في موطن سلطة ينبغي عليك أن تغير على حسب الطاقة، كذلك عند الأذان يوقف المدرس الشرح ويقول لتلامذته: رددوا النداء: قال صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول)، كذلك إذا كانوا لا يعرفون الصلاة يعلمهم في الفصل كيف يصلون؛ لأن المدرس أسوة وداعية إلى الله عز وجل.

فالدعوة إلى الله هي وظيفة الأمة؛ لأنها آخر الأمم؛ ولذلك لما قام موسى عليه السلام يعظ بني إسرائيل ذكرهم أولاً بالله، وأنت تعلم من هم بنو إسرائيل -نعوذ بالله من أفعالهم- فقد فضحهم القرآن الكريم وبين صفاتهم وخصائصهم وما يدور بداخلهم، وبين إلحادهم في جانب الاعتقاد، وخلقهم مع ربهم وأنبيائهم بل مع الفرد، وهذا قول لا يختلف فيه اثنان ولا ينتطح فيه عنزان كما يقولون، فمن صفاتهم: أولاً: هم قساة قلوب، قال الله في وصفهم: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ} [البقرة:٧٤]، فقلوب اليهود أقسى من الحجارة، والله سبحانه شبهها بالحجارة ولم يشبهها بالحديد؛ لأن الحديد إذا دخل النار لان، لكن الحجارة تزداد صلابة.

كذلك قلوب اليهود.

ثانياً: السعي في الأرض بالفساد، قال سبحانه: {وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا} [المائدة:٣٣]، فما من فساد في الأرض إلا وهم وراءه.

كذلك قال الله سبحانه وتعالى في وصفهم: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} [المائدة:٦٤]، وقال: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ} [البقرة:١٠٠]، والمتتبع لصفات بني إسرائيل سيجعل لهم محاضرة مستقلة بل رسالة دكتور