للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التناوب في طلب العلم وعدم الاعتزاز بجمع حطام الدنيا]

نحن لسنا ضد أن يكون لك عمل تتكسب منه، لكن نحن ضد أن تكون جيفة بالليل حماراً بالنهار، كما جاء في الحديث، بالليل ينام العبد كالجيفة وبالنهار كالترس المعلق.

أخرج البخاري في صحيحه في كتاب العلم باب: التناوب في طلب العلم، يقول عمر بن الخطاب: شغلتني التجارة عن سماع الرسول صلى الله عليه وسلم، ولي جار من الأنصار أيضاً فقلت له: هيا بنا نعقد اتفاقاً: أنا أتخلف عن السوق يوماً وأسمع الحديث، وأنت تتخلف عن السوق يوماً وتسمع الحديث.

فالذي نريده أن تجعل لطلب العلم وقتاً، فالأسبوع سبعة أيام فاترك يوماً من الأسبوع لطلب العلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب)، يعني: عندما يصل إلى المليون -ربنا يعافينا وإياكم من رحلة المليون إلا في رضاه عز وجل- يقول: أريد المليون الثاني، وإذا وصل إلى الثاني قال: الثالث.

يقول العلماء: جامع المال كشارب ماء البحر، كلما ازداد شرباً ازداد عطشاً، فجامع المال كشارب ماء البحر كلما أعد رصيداً أراد إضافة، وكلما أعد أراد حتى إذا جاءه الموت قال: يا ليتني! وقال: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ} [الحاقة:٢٨]، وأنت تسمع الآن أن فلان الملياردير مات، ماذا أخذ معه؟ (يتبع الميت ثلاثة: ماله وعمله وأهله، يرجع المال والأهل ويبقى العمل) ويأخذ الورثة المال، كل وارث يأخذ حفنة، وكل واحد منهم يقول: الله يرحمه ويحسن إليه لمدة أسبوع واحد فقط، وبعد ذلك ينسونه.

لكنك لو تركت علماً تدارسه الأجيال من بعدك، ففي كل يوم نقرأ في تفسير ابن كثير ونقول: رحمه الله، ونقرأ في البخاري ونقول: رحمه الله، فـ البخاري مات سنة (٢٥٦) هـ يعني: في القرن الثاني، بيننا وبينه آلاف السنين، وما زلنا نترضى عليه ونترجم له بسبب العلم الذي تركه لنا، فانشغل بالعلم، واترك علماً ينفع الناس، ربِّ ولدك على العلم، وقل: يا ولدي! أريدك أن تصحح حديثاً، أو تعرف سبب نزول آية، لكننا يا إخوة لا نجد إلا همماً فاترة، فكل بلد فيها عجز تام في العلماء الشرعيين، فلماذا لا يكون هناك خمسة علماء أو عشرة أو عشرون يعرفون الأحكام الشرعية في الفروض وتوزيع الأنصبة؟ لأننا في الحقيقة فترنا عن طلب العلم وانشغلنا بالدنيا، وبجمع المال وتأمين المستقبل، مع أن المستقبل بيد الله ليس بيدي ولا بيدك، فإن أردت رفعة في الدنيا والآخرة فبالعلم.