للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العلامات التي يعرف بها حسن خاتمة العبد وسوءها]

أيها الأحباب الكرام! إن من علامات حسن الخاتمة للعبد: أن يوفقه الله للطاعة، وأن يقبضه على الطاعة، ومن علامات سوء الخاتمة للعبد: أن يموت على معصية، وأن يصر على معصيته.

وابن القيم في الجواب الكافي يقص علينا قصصاً من الذين أسرفوا على أنفسهم، فيقول: حضر الموت لرجل كان قد أسرف على نفسه في تجارته، فلا يعرف إلا التجارة في وكالته، يبيع بالمزاد ويعقد الصفقات، ويزايد على الصفقات بين الناس من الفجر إلى غروب الشمس، فلا يعرف الصلاة، ولا يعرف دروس العلم، ولا يعرف القرآن، ولا الحدود الشرعية، كل همه التجارة.

فحضره الموت، فقام من حوله يذكره بالله، فقالوا له: يا عبد الله! من كان آخر كلامه من الدنيا: لا إله إلا الله دخل الجنة، فاذكرها قبل موتك، فنظر إليهم وهو يقول: من يشتري مني باثنين أو ثلاثة؟ فمات على ما انشغل به، فمن انشغل بشيء مات عليه، ومن مات على شيء بُعث عليه.

وفي حديث البخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تخمّروا رأسه، ولا تحنّطوه -لا تطيبوه- وكفّنوه في إحرامه، فإنه يُبعث يوم القيامة ملبياً)، وهذا معناه كما قال العلماء: أن من مات على شيء بُعث عليه.

فمن مات على معصية بُعث على معصيته، ومن انشغل بشيء في دنياه انشغل به عند موته.

وقص علينا ابن القيم أيضاً: أنه حضرت الوفاة لموسيقار، كانت حياته كلها في الموسيقى، وعند الموت قال له الناس: يا عبد الله! من كان آخر كلامه من الدنيا: لا إله إلا الله، وأخذوا يذكرونه بكلمة التوحيد، فنظر إليهم وقال لهم: تن تن.

يدندن عند موته، هذا معناه: أنه انشغل أيضاً بالموسيقى، فمن انشغل بشيء مات عليه، ومن انشغل بالصلاة مات وهو يذكر الله، ومن انشغل بالقرآن مات وهو يردد آيات الله سبحانه، وفرق بين هذا وذاك، وشتان بين الخبيث والطيب.