للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ضرورة الإعداد لتمكين الأمة وعزتها والصبر على ذلك]

أيها الإخوة الكرام الأحباب! يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً * إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً} [المعارج:٥ - ٧] وينبغي ألا نغفل عن المنهج أبداً، جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله عن الساعة: (متى الساعة؟ قال له: وماذا أعددت لها) فهذا الذي ينبغي أن ننشغل به.

امرأة رأت في منامها أنها ترضع القمر، فقال المفتي: إنه ظهور المهدي، وهكذا أقوال ما أنزل الله بها من سلطان، وهناك كتب في السوق تستهوي العامة، ولا ينبغي أن تستهوي طالب العلم.

فينبغي أن ننشغل بما أعددنا ليوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها) ربما يقول قائل: أغرس الفسيلة في الأرض وأنا لا أضمن أن أحصد ثمرتها؛ لأن القيامة ستقوم والدنيا ستنتهي، فلم أغرس الفسيلة؟

الجواب

ضع الفسيلة واترك أمرها إلى الله عز وجل، هذا هو المنهج القويم.

قال تعالى: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً} [المعارج:٦ - ٧] فكل آت قريب.

وقال تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل:١].

وقال تعالى: {اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر:١].

إن ما يحدث الآن من إنتاج لكتب أو أشرطة على حسب رغبة المستمعين، تتحدث في أمور غيبية ليس لها من الله برهان، ويستهويها الناس، هناك حديث عن المهدي، وعن المسيح الدجال وعن عذاب القبر، ولا بأس بذلك، لكن لا يكون هو الشغل الشاغل؛ لأنه لابد أن تتعلم العلم النافع الذي تصلح به حركة الدنيا.

كما أن منهج التغيير عندنا واضح، فإننا لم نرَ صلى الله عليه وسلم جمع الصحابة في مكة، ورفع الأعلام، وهتفوا في مظاهرة: يسقط أبو جهل وعاشت الكعبة، وكل يردد خلفهم، ماذا صنعنا من المظاهرات؟ تظاهروا لأجل فلسطين وقد انتهت المظاهرات والقتل لا يزال مستمراً، أخبروني متى كانت المظاهرات وسيلة فعالة لدفع حرب أو لحفظ دم؟ القوى الوطنية ستجتمع في القاهرة، وبالأمس يعبرون عن الشجب والاستنكار، مسلم ملتزم وبجواره شيوعي ومن خلفه علماني وعن يساره امرأة متبرجة ترفع العلم وتقول: بالروح بالدم.

خبتِ وخسرتِ.

فأسلوب المظاهرات هذا الذي نراه لا يقره شرع، وكفاكم مزايدة باسم الدين، كفاكم أن تركبوا هذه المزايدات باسم الإسلام، إن المظاهرة ليست من وسائل التغيير في شرعنا، إنما في شرعنا: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:٦٠]، فهل سيغير الواقع امرأة متبرجة تظهر شعرها وثديها، وتلبس البنطال الذي يجسد العورة، وترفع الشعار وتهتف وهي لا تصلي لله؟! هل يمكن أن تقف بجوارها أنت وتدعمها في مسيرة واحدة؟! يا عبد الله! كفانا أن ننجرف خلف التيار الخادع، يقولون لنا: دول أوروبا عبرت بالمظاهرات، لكننا نحن لا نعرف أسلوب المظاهرات في شرعنا إنما نعرف الإعداد، والإعداد معناه: العلم بالقرآن والسنة وبفهم سلف الأمة.

لابد من صنع الرجال، وصنع الرجال يحتاج إلى وقت ومثله صنع السلاح، فكما أن هناك مصانع للسلاح كذلك هناك مصانع لصنع الرجال، قال تعالى: {مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ} [الأحزاب:٢٣] من هم الرجال؟ لا يصنع الأبطال إلا في مساجدنا الفساح في روضة القرآن في ظل الأحاديث الصحاح شعب بغير عقيدة ورق يذريه الرياح من خان حي على الصلاة يخون حي على الكفاح نعم، قال بنو إسرائيل لنبيٍ لهم: {ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة:٢٤٦] كما أننا نقول: بالروح بالدم لا نريد أن نقاتل، نريد أن نغير الواقع، قالوا: {وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا} [البقرة:٢٤٦] وقد قال لهم نبيهم: أخشى أن يكتب عليكم القتال فلا تقاتلوا، ومعلوم أن الشعارات لا تصنع أمماً، ومع ذلك هتفوا بالقتال {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا} [البقرة:٢٤٦].

فيا عبد الله! إن لم تستطع أن تجاهد النفس في قيام الليل، وصلاة الفجر، والصبر على الطاعة، والصبر عن البعد عن المعصية، فإنك كذاب إن قلت: أصبر في ميدان الجهاد؛ لأن أدنى أمر لم تصبر عليه وأنت في أمن وأمان.

قال الله تعالى: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً} [المعارج:٦ - ٧]، نعم، نرى أن النصر للإسلام قريب، وأن التمكين لدين رب العالمين قريب، ولكن قبل الفجر لابد من سواد الليل، وقبل الوضع لابد من ألم المخاض، وقبل التمكين لابد من الغربلة؛ حتى يميز الله الخبيث من الطيب: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُ