للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[آداب طالب العلم في نفسه]

وآداب الطالب في نفسه كثيرة، وحتى تبدأ في طلب العلم؛ لأن البعض يبدأ الطريق خطأ، ويدخل إلى الطريق خطأً، ولا يعرف آداب الطريق، ومن هنا نجد الاهتمام الموجود في الساحة الإسلامية بالكم وليس في النوع، ولذلك: فإن من الآداب ما يلي: أولاً: أن يعلم طالب العلم أن العلم عبادة، قال السلف: صلاة السر وعبادة القلب هي العلم، وكل عبادة تحتاج منك إلى تصحيح النية، فما هي نيتك في طلب العلم؟ ولماذا تطلب العلم؟ هل لتماري به العلماء؟ أو تجادل به السفهاء؟ أو تلفت به أنظار الناس إليك حتى يقال: فلان طالب علم؟ أو يقوم في المجلس بنية أن ينظر الناس إليه؛ بئس العلم الذي تعلمت؛ ولذلك فإن أول أدب من آداب طلب العلم: أن يخلص طلب العلم لله سبحانه؛ لينجو بنفسه، ويدل غيره على طريق النجاة.

ثانياً: الثبات والتثبت، فقديماً قالوا: من ثبت نبت.

ومن آفات طلب العلم: التنقل من كتاب إلى كتاب آخر قبل إكمال الكتاب الأول، لهذا لا بد أن تثبت في الطلب على كتاب، وأن تثبت في الطلب على شيخ، ولا تحضر لكل الشيوخ وهدفك تتبع الزلات، وإظهار العورات، ونقل الكلمات، والطعن فيهم ليل نهار، والإيقاع بينهم، وهذا يحصل كثيراً، وهذا مما انتشر في زماننا، وهو ليس من الأدب في شيء.

فإذا سمعت كلمة من شيخ لم تدرك معناها، ولم تلق عندك قبولاً، ولا توافق الحق الذي معك، فلا بد أن تتثبت من هذا القول من مصدره.

وبعض الطلبة يسمع الكلمة ثم يطير بها قائلاً: أخطأ الشيخ في كذا، ويظهر العورات، وهو الذي يسمع خطأً، وهو الذي لا يدري ما يقال، وهو النائم في المحاضرة أو في درس الشيخ؛ فلابد من التثبت والتأكد من قول العالم.

والشجرة كثيرة التنقل لا تثمر، وهذا هو طالب العلم الذي يطوف على كل العلماء، فهذه الطريقة تخرج رجلاً يعلم مسائل فقهية لكنه غير فقيه، فلابد من دراسة الكتب العلمية والثبات على دراستها، كفتح الباري شرح البخاري، فلا تتركه حتى تنتهي منه.

فلابد من ثبات حتى الممات، حتى يكتمل الطلب، والتنقل بين الكتب والشيوخ لا يجوز.

ثالثاً: التأمل، وقالوا قديماً: تأمل تدرك، ومعنى التأمل: أن يركز طالب العلم فيما يقول، وفيما يقال، ويتأمل ويحلل، ولا يتكلم الكلمة إلا بعد أن يمررها على قلبه؛ لينظر: أفيها نفع أم لا؟ رابعاً: التحلي بالرفق، وهو أن يكون طالب العلم رفيقاً، والرفق ما دخل في شيء إلا زانه، وما دخل العنف في شيء إلا شانه، طالب العلم لا يأتي متأخراً في يوم الجمعة فيجد المسجد قد امتلأ، والشوارع قد امتلأت، فيتخطى رقاب الناس، ويقفز من على الحائط، فهذا ليس من أدب طلبة العلم.

أما أدبه مع شيخه: فالبعض يقبل الشيخ في كتفيه فهذا لا بأس، إنما الخطأ هو أن يحني الرأس كما تفعله الصوفية المبتدعة، فمن الأدب عند مصافحتك للشيخ لا تقل له: سيدي ومولاي، وتقبل لحيته! فإن هذا من الغلو والإطراء الذي نهينا عنه، هناك أدب في احترام الشيخ، لكن ليس على طريقة الصوفية، أو الذين غالوا في حب آل البيت كما نعلم.

وأحاديث التحلي بالرفق كثيرة، والنبي صلى الله عليه وسلم حينما كان يعلم الجاهل كان يعلمه برفق عليه الصلاة والسلام.

وذلك حينما نهى الصحابة عن زجر الرجل الذي بال في المسجد، وعن زجر الرجل الذي عطس في الصلاة ثم شمته من بجواره، فهذا هو الرفق في التعلم.

خامساً: الإعراض عن مجالس اللغو، وهو ألا يكون في مجالس اللغو أبداً، قال تعالى: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً} [الفرقان:٧٢]، فلا ينبغي لطالب العلم أن يكون في المقهى يلعب الطاولة، أو في ملعب القاهرة يرفع الراية، ويشجع النادي الذي يحبه، فهذا ليس من سمت طالب العلم!! فلا بد من الإعراض عن مجالس اللغو، فلا يدخل إلى أماكن اللغو، فإنه لا يمكن الجمع بين مجالس العلم ومجالس اللغو، قال تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [الأحزاب:٤].

سادساً: هجر الترفه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (البذاذة من الإيمان)، وهو أن يتعود طالب العلم على الخشونة، لا يكن طالب علم مائعاً، ولذلك ترى بعض العلماء أحياناً يسيرون بدون نعل، ولقد رأينا الشيخ ابن عثيمين رحمه الله يخرج من المسجد النبوي إلى البقيع حافي القدمين، فهذه الخشونة من تعلم البذاذة، فقد كان يؤدب نفسه ويعلمها التواضع.

أما العالم أو طالب العلم الذي يجلس في برج عالي فلا بأس، لكن لا بد أيضاً أن يتعلم الخشونة، وأن يأكل وينام على الأرض أحياناً، وأن يؤدب نفسه بعدم الترفه، فهذا هو قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

سابعاًً: أن يكون سلفياً، وهذه نقطة مهمة جداً، والسلفية منهج وفكر، ليست جماعة ولا حزب، ولا خروج على حاكم، ولا تكفير الحكام، ولا تكوين أحزاب على الأرض، إذ كل ذلك طرق بدعية.

وفي الحديث المتفق عليه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط