للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأدلة من الكتاب والسنة على أن آدم خلق من تراب وأنه أبو البشر]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد: فدرس اليوم سيكون في علم الأخلاق وفي تفريج الكربات، وقبل أن نبدأ أريد أن أضع بعض النقاط على ما أثير في الفضائيات بشأن خلق آدم عليه السلام.

تبدأ القصة بكتاب للدكتور عبد الصبور شاهين يسمى: (أبي آدم قصة الخليقة بين الأسطورة والحقيقة)، والناشر: (الروافد الثقافية)، هذا الكتاب الذي ألفه الدكتور شاهين هو ما أعاد ذكره في القنوات الفضائية، وقد صنف الكتاب قبل خمس سنوات تقريباً أو تزيد، وطبع في عام ٩٨م.

خلاصة هذا الكتاب تدور على فكرة واحدة وهي: أن آدم عليه السلام هو أبو الإنسان وليس أبو البشر، وفرق بين الإنسان والبشر، جنس البشر كما يقول: هو الجنس المخلوق من طين، وآدم آخر ذرية البشر، وله أب وأم من البشر، ثم بعد ذلك جاء آدم وجاء الإنسان من بعد آدم، فآدم هو أبو الإنسان؛ لأن البشر سابق على آدم، فآدم له أب وله أم من البشر! إذاً: الكتاب من أوله إلى آخره يدندن حول معنى أن البشر سابق على الإنسان، وأن آدم هو أبو الإنسان وليس أبا البشر، وأن البشر انقرض وجاء آدم من ذرية البشر من أب وأم، فيقول: آدم له أب وله أم ولم يخلق من تراب.

وجاء على هذا بأدلة من الحفريات، وأجهض اللغة العربية كما يقول الدكتور المطعني في كتابه الذي بين يدي الآن؛ لأن هذا القول خرج به قائلة عن إجماع الأمة وأقوال السلف، وقال: إن اعتماد السلف على الإسرائيليات في قضية خلق آدم! وليس كل ما قاله السلف من الإسرائيليات كما قال الدكتور عبد العظيم المطعني في رده: (أبي آدم قصة الخليقة بين الخيال الجامح والتأويل المرفوض)، ويقصد بالخيال الجامح: أن الرجل اعتمد على خياله في فهم النصوص الشرعية.

وأول حديث استدل به الدكتور في مطلع مقدمة الكتاب حديث لا أصل له، يقول: إن الله عز وجل يقول: (كنت كنزاً مخفياً فأردت أن أعرف فخلقت الخلق فبي عرفوني)، وهذا الحديث موضوع مكذوب، وكان من الأحرى أن يتحقق من الأحاديث التي يوردها في الكتاب قبل أن يذكر ما ذكر.

عموماً معي الآن ردود على هذا الخيال القائل: بأن آدم ليس أبا البشر، وإنما هو أبو الإنسان، وأنه خلق من أب وأم، حتى تجاوز الخطوط الحمراء، فقال: وقبر أبيه وأمه معروف أيضاً عند الناس، ولا أدري أين قبر أبيه وأين قبر أمه! أيضاً رد عليه أحد علماء مكة وهو الأخ عبد الله بن حسين المرجان في كتاب (آدم أبو البشر)، وجاء بأدلة من السنة صحيحة ومن القرآن بينة في أن آدم خلق من تراب، وأنه ليس له أب ولا أم، وأن البشر المقصودون في القرآن هم الإنسان، ولا فرق بين تعبير الإنسان وتعبير البشر.

إنما كتاب الدكتور شاهين اعتمد على أشياء منها: أن كثيراً من المفسرين استقى قصة الخليقة من الإسرائيليات، فقال: ننحي هذه النصوص جانباً، وذهب يستنبط، حتى إن الدكتور المطعني أستاذ اللغة العربية الذي أبدع فيها قال: لقد انحرف عن قواعد اللغة انحرافاً تاماً؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ} [ص:٧١]، فهنا كلام لغوي ألخصه، يقول الدكتور المطعني: أجمع علماء اللغة على أن اسم الفاعل (خالق) إذا نصب ما بعده أريد به المستقبل، وإذا رفع ما بعده أريد به الماضي، والآية هنا: (إني خالق بشراً) إذاً: (خالق) أريد بها سأخلق بشراً، قال: أجهض اللغة العربية وأجرم في حقها؛ لأنه بإجماع أهل اللغة إذا نصب ما بعد اسم الفاعل يشير إلى المستقبل، إذاً: ((إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ)) يعني: إني سأخلق بشراً لم يخلق بعد، على اعتبار أن ما بعدها نصب ولم يرفع، وهو يعلم ذلك أستاذنا علم اليقين؛ لأنه أستاذ لغة عربية في دار العلوم، فكان ينبغي عليه الأمانة في العرض، وأن يقول: إن اللفظ نصب على اعتبار أن اسم الفاعل يعبر عن المستقبل.

ثم قال الله سبحانه: ((إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ))، فحدد أن الخلق سيبدأ من طين.

وسأقرأ بعض الردود سريعاً؛ لأن هذا العرض سيطول بنا إن أردنا أن نقف على الردود الشرعية في هذه القضية؛ لأن البعض لبس عليه الموضوع، ولا يلبس إلا على من كان مبتعداً عن القرآن الكريم؛ لأن القرآن الكريم جلى القضية.

والشيخ عبد الله بن حسين المرجان من مكة أعد هذا الرد في قصة خلق آدم فقال: إلى كل باحث عن الحقيقة، إلى كل ملتزم بالكتاب والسنة، إلى كل من استضاء بنور الإيمان، إلى من لم تغره أحافير ولا أساطير؛ لأنه استدل على قوله بالحفريات، لكن المسلم يعتمد على فهم الكتاب والسنة بالقرآن والسنة وليس بالحفريات، وانظروا إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم في مسلم: (خلق الجان من نار، وخلقت الملائكة من نور، وخلق آدم مما وصف لكم)، فهذا يقتضي أنه خلق من