للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أسباب وقوع آدم وزوجته في الخطيئة وخروجهما من الجنة]

حذر الله آدم من إبليس فقال له: {إِنَّ هَذَا} [طه:١١٧]، أي: إبليس: {عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} [طه:١١٧]، انتبه يا آدم! أحذرك من إبليس؛ لن يتركك دون وسوسة ودون محاولة للإغراء، فإنه قال: {فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي} [الأعراف:١٦]، يقسم لربه سبحانه أنه بسبب إغوائه سيحاول أن يضل البشرية.

وسكن آدم الجنة، لكن الآيات لم توضح نوع الملابس التي كان يلبسها، وإنما بينت أنه كان يلبس، فلا بد أن نؤمن إيماناً جازماً أن العورة كانت مستورة، وهذا من الفطرة، فالفطرة أن تستر العورة، لكن في زماننا الآن خرجنا عن الفطرة، فالعورات قد ظهرت باسم المدنية والتحضر.

وآدم لم يهبط إلى الأرض إلا وهو يعلم أن عدم إظهار العورة من الفطرة، لكن من استقامة الطبع عندنا الآن أن من تسير في طريق عام تظهر العورة وتتبجح، وعندنا من الرجال من يظهر العورة ويبتسم، هذا معناه: أن الحياء قد نزع من قلوبهم، وحدث عنه ولا حرج.

جاء إبليس عن طريق الوسوسة؛ لأن القرآن قال: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ} [الأعراف:٢٠]، لا نقول: دخل إليهما عن طريق الحية كما في التوراة المحرفة؛ فالنص واضح عن طريق الوسوسة، آدم في الجنة وإبليس خارج الجنة، وسوس لهما فقال: {يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى} [طه:١٢٠]، أتى بوسائل الإغراء: هل تحب أن تكون خالداً في الجنة؟ كل هذه الشجرة يا آدم! هل تكره أن تكون ملكاً؟ يا آدم! أقسم لك بالله إني لك لناصح؟ وظل خلفه يوسوس له ويزين له، وهذا دأب الشيطان مع أوليائه، يزين لهم المعاصي ويحببهم فيها، ويقربهم منها حتى إذا وقعوا: {قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الحشر:١٦]، فالشيطان عداوتنا معه واضحة.

اقترب آدم من الشجرة قليلاً ومعه زوجته حواء، وإذ به يقطف من ثمارها ويذوق هو وزوجته، فلما ملآ بطنيهما طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة، لا تنس أن آدم خرج من الجنة بمعصية صغيرة، فيا ليت الذين يتجرءون على المعاصي الصغيرة ويقولون: إنها صغائر ينظرون إلى هذا المشهد، أكل آدم من الشجرة، ذاقها وبمجرد التذوق بدت لهما سوءاتهما، ونزلت الملابس من على جسديهما، لكن ليس من الفطرة أن ينظر إلى العورة كما قلت، ولم يتوقع آدم هذا المشهد، فطفقا إلى أوراق الجنة يخصفان منها، أي: يأخذان من شجرها ويواريان العورة، {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ} [الأعراف:٢٢]، ألم أحذرك يا آدم! قبل أن تسكن الجنة وبعد أن سكنت فيها من إبليس؟ قوله: {عَدُوٌّ مُبِينٌ} [الأعراف:٢٢]، أي: واضح العداوة، {قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:٢٣]، إقرار بالخطأ واعتراف بالذنب وعدم كبر، طلب العفو والمغفرة، فرق كبير بين معصيته ومعصية إبليس، فإن آدم لما ارتكب الخطيئة تاب فتاب الله عليه، ونص القرآن على ذلك، وكان توبة الله عليهما قبل أن يهبطا إلى الأرض.