للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم زيارة الحاج المدينة النبوية]

السؤال

هل يلزم الحاج زيارة المدينة أم أن زيارة المدينة ليست من مناسك الحج؟

الجواب

هذه أيضاً نقطة مهمة؛ فإن البعض حينما يرحل إلى الحج يعتقد أن الحج هو زيارة المدينة، فإن لم يزر المدينة كأنه لم يحج، حتى في العمرة، فمناسك الحج ليس منها من بعيد أو قريب زيارة المدينة أبداً بحال، بل بمجرد أن يطوف طواف الوداع في مكة ويرحل فقد انتهت أعمال الحج، أما زيارة المدينة فهي سنة؛ لأن بها المسجد النبوي الذي تشد إليه الرحال، فالزيارة لأجل طلب الأجر الزائد فيه عن غيره لا لأجل القبر، وإنما زيارة القبر تأتي تبعاً لزيارة المسجد النبوي؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى)، وهذا الحديث له معنى سنبينه في سؤال مستقل لأهميته؛ لأن هناك أخاً دفع لي من جريدة اللواء الإسلامي مقالاً فيه: الصلاة في المساجد التي بها أضرحة لا هي مكروهة ولا هي محرمة ولا هي ممنوعة.

وهذا الكلام يخالف كل آراء الفقهاء، فـ البخاري في صحيحه والحنابلة في فقههم والشافعية في فقههم ما قال أحد منهم: إنها لا مكروهة ولا محرمة ولا ممنوعة.

يقول البخاري في صحيحه: باب كراهية الصلاة في المساجد التي بها قبور، ثم أورد بعض الآثار عن الصحابة أن بعضهم كان يصلي إلى قبر دون أن يراه، فنبهه آخر وقال له: القبر القبر، فتخطى القبر، والقبر مندس في الأرض، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد؛ فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك)، وقال: (كل الأرض مسجد إلا المقبرة والحمام) إلى غير ذلك من نصوص واضحة تمام الوضوح.

ولذلك شيخنا الألباني له كتاب اسمه: (تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد).

فالقبور يا عباد الله لها أماكن تدفن فيها، أما أن يقام المسجد على قبر أو يشيد بداخل المسجد ضريح تشد إليه الرحال ويطاف به وينذر ويذبح له من دون الله ويتبرك عند أعتابه ويشرك بالله فيه فهل هذا هو الدين يا عباد الله؟! فالصلاة في المساجد التي بها قبور حرام، وتبطل عند الحنابلة، وإن قصد القبر فهي باطلة بإجماع أهل العلم، ليس منهم أحد قال: إن من قصد القبر صلاته صحيحة، لكن الخلاف فيمن قصد المسجد.

فبعضهم قال: صحيحة مع الإثم.

وبعضهم قال: باطلة.

لكن الأصوليون يقولون: تحرم؛ سداً للذريعة إلى الشرك؛ لأن المسجد يحمل اسم صاحب المقام، وتأتي لصاحب المقام النذور والأموال الطائلة من جيوب المغفلين والسفهاء وتوضع في هذه الصناديق، ولذلك حزنت تمام الحزن حينما كنت في الحرم المدني وكان يتحدث أحد علماء المملكة عن قصة (سيدي جحش بمصر) قال لهم: في مصر (قصة سيدي جحش) أتعرفونها؟ فتعجب الناس، فقال: هو رجل اتفق مع أخيه أن يقيموا مقاماً ثم يقيموا عليه ضريحاً ولم يكن في الضريح إنسان وإنما هو جحش مات، فجعل الناس يطوفون بالمقام، وأطلق عليه (مقام سيدي جحش)، فاختلفوا على صناديق النذور في الأخير فقال أحدهما للآخر: نحن دفناه سواء.

فإنا لله وإنا إليه راجعون.

أرأيتم إلى ما يحدث؟ وتجد امرأة تأتي من آخر الدنيا تستغيث يا بدوي أنا مريضة أسألك الشفاء، وأخرى تأتي وتطلب النجاح لولدها، وثالث يأتي ويطلب تفريج الكرب، والله عز وجل يقول: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} [النمل:٦٢].

قال شيخ الإسلام: إن كان المسجد أسبق يهدم الضريح، وإن كان الضريح أقدم يهدم المسجد؛ لأنه لا يجتمع مسجد وضريح في مكان واحد أبداً.

وقد يقول قائل: إن قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده، وهذا كلام باطل، ففي عصر الصحابة والتابعين والعصور التي بعد ذلك كان المسجد منفصلاً تماماً عن مكان وجود القبر؛ لأنه دفن في حجرة عائشة إلى أن جاء عهد الدولة الأموية في عهد الوليد بن عبد الملك بن مروان وأقام توسعة للمسجد فأدخل الحجرة ضمن المسجد؛ إذاً: هل في زمن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان المسجد داخل القبر؟ أبداً والذي نفسي بيده! ولذلك لما رأت الحكومة السعودية هذا أقامت على القبر أربعة جدران حتى تعزل القبر عن حدود المسجد.

فلا ينبغي أن يستدل بهذا على هذا، والله تعالى أعلم.