للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (ويسقون فيها كأساً كان مزاجها زنجبيلاً)

قال تعالى: {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا} [الإنسان:١٧]، ولا يطلق لفظ الكأس إلا على كأس الخمر، فتارة يشربون خمراً ممزوجاً بالكافور، وتارة ممزوجاً بالزنجبيل، والكافور بارد، والزنجبيل حار، فيجمعون بين هذا وهذا.

قال تعالى: {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا} [الإنسان:١٧] مختلطة {زَنجَبِيلًا * عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا} [الإنسان:١٧ - ١٨]، (سلسبيلاً) اسم عين في الجنة، سميت بهذا الاسم لسلاستها، وخروج الخمر منها بسهولة ويسر، ويتدفق على أهل الجنة حيث أرادوا وشاءوا، والأبرار يشربونها مختلطة، والمقربون يشربونها لا اختلاط فيها.

يقول ربنا سبحانه: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ} [الإنسان:١٩] مخلدون في عمر واحدة، لا يتقدمون ولا يتأخرون، يخلدون على حسب أعمارهم، ولدان مخلدون يخدمونهم.

قال تعالى: {إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنثُورًا} [الإنسان:١٩] من جمالهم، يلبسون الأخراص في آذانهم، والحرير يكسوهم، منظرهم بهي، يقول ابن عباس: كل واحد من أهل الجنة يقوم على خدمته ألف خادم من الولدان المخلدين، فيا عبد الله! انظر إلى ما عند ربك من هذا النعيم والجزاء، ولذلك كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ينظرون إلى الجنة نظرة يقين وإيمان، ويريدون أن تنتهي الحياة برضا الله، ولا يكون بينهم وبين الجنة إلا الموت، هذا الذي فعله أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يأتي من يطعن فيهم، ولقد اصطحبت معي فتوى دار الإفتاء المصرية في حكم تمثيل الصحابة سأذكرها لكم؛ لتعلموا أن هؤلاء لا يتورعون حتى عن مخالفة شيوخهم، ثم أذكر فتوى مجمع الفقه في مكة المكرمة في حرمة تمثيل الأنبياء والصحابة، ثم أذكر ما وجهه الشيخ: جاد الحق إلى الإذاعة والتلفزيون، وعلى المسئولين أن يتقوا الله في تمثيل شخصيات الأنبياء، أو زوجات الأنبياء، أو أمهات الأنبياء، أو أصحاب الأنبياء لاسيما أصحاب خير الأنام محمد صلى الله وعليه وسلم.

ثم نرد على الشبه التي أثيرت حول بعض الصحابة.

يقول ربنا سبحانه: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا} [الإنسان:٢٠]، إذا رأيت يا رسول الله هناك في الجنة رَأَيْتَ نَعِيمًا، والنعيم في الجنة متعدد، والقرآن جاء ليقرب المعاني إلى الأذهان، يقول ابن عباس: ليس في الجنة نعيم إلا وله شبه في الدنيا إلا القوارير.

أي: إلا الأواني والأكواب التي من فضة، فهل رأيتم في الدنيا كوباً من فضة في صفاء الزجاج؟

الجواب

لا يمكن بحال، هذا قول ابن عباس، ولذلك ربنا يقول: {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} [البقرة:٢٥] فليس من نعيم الجنة شيء يماثل نعيم الدنيا إلا في الاسم فقط.

وهناك من النعيم: الحدائق، والطيور، والأنهار والقصور وكل ما تشتهيه الأنفس، فضلاً عن الحور العين التي يرى مخ عظمها من خلف جسدها، إذا رأيتها كأنها القمر في ليلة البدر، ونظرها قاصر على زوجها، كلما جامعها عادت بكراً كما كانت، هذا فضلاً عن النعيم الأبدي الذي ليس بعده نعيم، وهو النظر إلى وجه الله سبحانه، فأي نعيم بعد هذا النعيم! يقول ربنا: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان:٢١].

يقول المفسرون: إذا دخل أهل الجنة الجنة يشربون من عين تنقي ظاهرهم وباطنهم.

أما الظاهر فتلقي عليهم نضرة في الوجوه، وأما الباطن: فتنزع من قلوبهم الغل والحسد، يقول ربنا سبحانه: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:٤٧].

فليس في الجنة أحد يعطي ظهره لأحد، وإنما فيها التقابل والحب، وعدم الحسد، وعدم الغل، وعدم البغض، وفي الجنة لا يتغوطون ولا يتبولون، كلما أكلوا طعاماً لا يصابون بأذى، فلا تغوط ولا تبول.