للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قصة بقرة بني إسرائيل]

الأولى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة:٦٧]، في قصة بقرة بني إسرائيل، وبنو إسرائيل هم اليهود، وذلك لما قتل أحدهم عمه وحمل جسده وألقاه في قرية مجاورة؛ ليلصق التهمة بأهل تلك القرية، فاليهود يقتلون، ويحاولون أن يتملصوا من القتل، ويتهمون الآخرين، فهم ليل نهار في دك، وقتل للأطفال، ونسف وهدم لبيوت الموحدين، ويقولون: نحن نسعى إلى السلام، وأيديهم تقطر بالدم، فهذا استسلام وليس سلام، فهم يقتلون ويرفعون شعار السلام، {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً} [الكهف:٥].

ثم إن القاتل جاء إلى موسى وقال له: يا كليم الله! عمي قتل، فمن قتله؟ فقال الله لموسى عليه السلام: مرهم أن يذبحوا بقرة، فقال لهم موسى: ((إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً) فقال هؤلاء السفهاء: ((أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً))؟ أتهزأ بنا يا موسى؟ {قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ} [البقرة:٦٧ - ٦٨]، وهذا من سوء أدبهم، لم يقولوا: ادع لنا ربنا، وإنما قالوا: ((ادْعُ لَنَا رَبَّكَ))، فكأنه رب موسى وليس ربهم هم، فهذا من سوء أدبهم مع أنبيائهم، وهم قتلة الأنبياء في كل الأزمنة والعصور، وناقضوا العهود والمواثيق، {فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً} [النساء:٧٨]، فاليهود ليس لهم عهد ولا ميثاق.

{قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ}، أي: وسطاً، وخير الأمور الوسط.

{فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ} [البقرة:٦٨ - ٧٠]، فشددوا فشدد الله عليهم، {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ}، أي: سالمة من العيوب، {لا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ}، الآن! وكأنه قبل ذلك جاء بالباطل! {الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة:٧١].

فلما ذبحوها أمرهم الله أن يأخذوا جزءاً منها ويضربوا القتيل به، فأخذوا جزءاً منها وضربوا به القتيل فأحياه الحي الذي لا يموت، فقام القتيل فسأله موسى: من الذي قتلك؟ فأخبره عمن قتله.

قال سبحانه: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ}، فقلوب اليهود أقسى من الحجارة، فهي لا تعرف الرحمة، وإن عرفت الحجارة الرحمة فقلوب اليهود لا تعرفها، وإن أردت دليلاً على ذلك فانظر إلى ذلك الغلام الصغير الذي خرج خلف أبيه ليشتري له أشياء، وهو محمد الدرة، فقد أخجل الضمير العربي يوم أن قتله اليهود وهو يستغيث بهم، فهو طفل لا يملك شيئاً، ولكن قلوب اليهود لا تعرف الرحمة، فهم لا يفرقون بين صغير ولا كبير، وإنما شعارهم {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [البروج:٨].

قال تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً}.

و (أو) هنا بمعنى: بل، يعني: بل {أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة:٧٤]، فقلوبكم أقسى من الحجارة.