للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[آداب الصيام]

ينبغي أن نعلم بعض الآداب في الصيام التي يخالف فيها الناس، وهناك أمور تحدث في رمضان ينبغي ألا تكون.

الأمر الأول: عدم تناول الطعام والشراب بعد مدفع الإمساك، وهذا لا أصل له في الشرع على الإطلاق، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بلالاً أن يؤذن، وكان بلال يؤذن بليل، يعني: قبل الفجر الصادق، ثم يأمر عبد الله بن أم مكتوم أن يؤذن بعد ذلك للفجر الصادق، وكان يقول لأصحابه وللأمة في هذا الوقت: (لا يغرنكم أذان بلال، فإنه يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)، يعني: الأصل عندنا (كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)، أي: حتى يؤذن للفجر، فمن حرم الطعام على نفسه بمدفع الإمساك فقد شرع ديناً ليس من عند رب العالمين، إنما مدفع الإمساك ينبه إلى اقتراب الوقت.

الأمر الثاني: صحح العلامة الألباني حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان الإناء على فم أحدكم)، أي: يشرب ماء وأذن الفجر (فلا يضع الإناء حتى يقضي حاجته)، يعني: حتى يشرب، بعضهم يقول: حينما تسمع النداء مباشرة أبعد الإناء وأبعد ما في فمك، هذا عذاب يا عبد الله! والله يريد بنا اليسر، وليس على ذلك دليل، والحديث صحيح كما قال شيخنا الألباني رحمه الله تعالى.

النقطة الثانية في هذا الأمر: في صلاة المغرب ينبغي أن نعلم أن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يعجل الفطر، فلا نقول كما يقول بعض الناس: انتظر حتى يتشهد المؤذن، لا.

هذا ليس من السنة في شيء، بل هو يخالف السنة، فعليك أن تعجل الفطر: (إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا فقد أفطر الصائم)، كما قال عليه الصلاة والسلام.

وأقول: هناك مشكلة: هل الصيام فرض لنغلق المساجد في صلاة المغرب؟ بعض المساجد تغلق في المغرب بحجة أن الناس صوم، ما هذا الصيام الذي يضيع فريضة يا عبد الله؟! أفطر على تمرات وماء، ثم صل المغرب في جماعة كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم، أحي سنة أحيا الله قلبك يوم أن تموت القلوب، إن سنة الأذانين في الفجر سنة آكدة، وسنة تعجيل الفجر سنة آكدة، وصلاة المغرب في جماعة من السنن الآكدة، بل من الواجبات عند بعض العلماء، أيها الإخوة الكرام! هذه أمور ينبغي أن ننتبه إليها في آداب الصيام.

أيضاً من السنة: أن تؤخر السحور إلى وقت السحر؛ لأن في كتاب الصيام عند البخاري: أن زيداً قال: (تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فسئل: كم كان بين سحوركم وبين الأذان؟ قال: قدر خمسين آية)، يعني: بين الطعام وبين النداء خمسون آية، يقول ابن حجر: وفي الحديث أنهم كانوا يقدرون الأوقات بالطاعات، لكن عندما يقول بعض الناس: ستقابلني بعد الحكاية إن شاء الله، أو بعد مسلسل الثامنة، أو بعد مسرحية السهرة، هؤلاء هم أهل المعاصي، أما نحن فنقدر الأوقات بالطاعات.

يقول ابن حجر في الفتح: وفي الحديث بيان منزلة قراءة القرآن في هذا الوقت بالذات، أي: وقت السحر في آخر الليل، كما قال ربنا تبارك وتعالى، فمن السنة -أيها الإخوة الكرام- أن نؤخر السحور.

ومن الآداب: تخفيف الطعام في الإفطار، لا كما يفعل بعض الناس، يظل يأكل ويأكل ويشرب حتى إذا أراد أن يقوم للصلاة لا يستطيع إلى ذلك سبيلاً، فينام ويملأ معدته، ما شرع الصيام لهذا يا عبد الله! شخص من الأعراب من الذين عندهم علم قال لما سمع حديث: (فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه)، فيا أخي المسلم! خفف الطعام؛ لذلك يقول البعض: هل يجوز أن أقرأ القرآن عند خروج ريح مني؟ أقول: ما كثر خروج الريح إلا لكثرة الطعام، نحن أساتذة ثلاثين صنفاً في المعدة، انظر إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم ما كان يجمع على مائدة الطعام أكثر من صنف، لكن نحن لا نستطيع إلى ذلك سبيلاً.

من آداب الصيام أيضاً: أن تعلم أن الصيام هو صيام الجوارح، فلا بد أن تكف اللسان عن الغيبة، فقد أصبحنا نتمضمض بالغيبة آناء الليل وأطراف النهار، نتمضمض بأعراض بعضنا إلا من رحم الله، فنحبط الأعمال ونحن لا نشعر ولا ندري، تجد التزاماً ١٠٠%، ولكن هذا الملتزم يترك اللسان ليقع في عرض هذا وعرض هذا ويسب هذا، ويشتم هذا، ويقذف عرض هذا، ويأكل مال هذا، فهذا مفلس يا عباد الله.

انظروا إلى السلف، يقول أحدهم: لو كان هناك أحد يستحق الغيبة لكان أبي وأمي، يقول ذلك لأن حسناته ستصل إليهما، فهما أولى بحسناته من غيرهما؛ لذلك أقول: لابد أن تصوم الجوارح، واللسان من الجوارح، وقد كان أبو بكر يمسك بلسانه ويقول: هذا الذي أوردني المهالك، فإن كان لسان الصديق أورده المهالك؛ فألسنتنا نحن إلى أين ستؤدي بنا؟! كذلك من صيام الجوارح صيام العين، وأنادي صاحبات البناطيل، وأقول لأولياء الأمور: