للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ألا يقتل الجاني بغير السيف ولا يقطع بغير السكين]

قال المصنف رحمه الله: [ويحرم قتل الجاني بغير السيف وقطع طرفه بغير السكين لئلا يحيف].

يحرم قتل الجاني بغير السيف، هذا هو المشهور في المذهب، وفيه حديث ابن ماجة: (أنه لا حد إلا بالسيف)، أو (لا قتل إلا بالسيف)، لكن الحديث لا يصح.

واختار شيخ الإسلام وتلميذه ابن قيم الجوزية وهو مذهب المالكية والشافعية: أن القصاص يجوز أن يكون بمثل الجناية، قال شيخ الإسلام: وهو الأشبه بالكتاب والسنة والعدل.

أما الكتاب فقوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل:١٢٦].

وأما السنة فإن النبي عليه الصلاة والسلام أمر أن يرض رأس اليهودي الذي رض رأس جارية بين حجرين، والحديث في الصحيحين.

وأما العدل فظاهر.

لكن يستثنى من ذلك إذا كانت طريقة القتل أو طريقة الجناية لا تجوز شرعاً، كأن يحرقه بالنار، فلا يعذب بالنار إلا الله جل وعلا، أو كانت بفاحشة كزنا أو لواط، أو نحو ذلك، وأما إذا لم يكن ذلك مخالفاً للشرع، فإن الاستيفاء يجوز أن يكون بمثله، فإذا رمي وليهم من شاهق فلهم أن يرموا هذا القاتل من شاهق، وإذا رماه إلى البحر فلهم أن يرموه إلى البحر ونحو ذلك، هذا هو العدل.

ويحرم قطع طرفه -أي: الجاني- بغير السكين؛ لئلا يحيف؛ لأنه قد تحصل زيادة وظلم وجور.

قال المصنف رحمه الله: [وإن بطش ولي المقتول بالجاني فظن أنه قتله فلم يكن وداواه أهله حتى برئ؛ فإن شاء الولي دفع دية فعله وقتله وإلا تركه].

يقول: [إن بطش ولي المقتول بالجاني فظن أنه قتله فلم يكن -يعني: قتله- وداواه أهله حتى برئ]، أي: أراد أن يستوفي بنفسه، فضربه بالسيف أو بطش به بغير ذلك، وظن أنه قد مات، فلما تفرق الناس أخذه أهله وداووه، وبرئ من هذه الجناية التي أريد به الاستيفاء، فما الحكم؟ قال هنا: فإن شاء ولي الدم الذي استوفى بهذه الطريقة دفع دية فعله، فنقول له: أنت تريد الآن أن تقتله، فأنت بالخيار: إما أن تدفع دية فعلك حين بطشت به ولم تقتله، فمثلاً كان قد ترتب على ذلك قطع طرف له، أو نحو ذلك، فأنت مخير بين أن تدفع دية فعلك وتقتل، وبين أن تتركه ولا تتعرض له.

وذكر صاحب الفروع أن عمر وعلياً ويعلى بن أمية قد قضوا بذلك فيما ذكره الإمام أحمد رحمه الله تعالى.

إذاً: إن شاء اقتص بعد أن يدفع دية فعله، وإن شاء تركه، فهو بالخيار بين الأمرين.

وهنا مسألة: إذا قتل أحد أولياء الدم الجاني قبل أن يتفقوا على القصاص، فمثلاً: قتل زيد وله أربعة أبناء، وقبل أن يتفقوا على القصاص قتل أحدهم قاتل أبيه، والآخرون لم يقولوا بعد بالقصاص فهل يقتل به؟

الجواب

لا يقتل به، وذلك لأن دم هذا القاتل لم تثبت عصمته حتى يتفقوا أو يأخذ بعضهم بالدية، فإذا قال بعضهم بالدية عصم دمه، وعلى ذلك: فلو أن بعضهم اختار الدية، وقال: أريد الدية، ثم إن بعضهم قتله بعد اختيار بعضهم الدية؛ فإنه يكون قد قتل معصوم الدم، فيكون أولياء الجاني الأول مخيرين بين القصاص والدية.

وكذلك أيضاً: لبقية الورثة أن يطالبوه بالدية؛ لأنه فوتها عليهم، فيقولون: نحن كنا مخيرين بين الدية والدم، ثم إنك قد قتلته، ونحن على حقنا فنريد الدية، فلهم أن يأخذوا الدية باستثناء نصيبه هو.

والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.