للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من لا تحملهم العاقلة]

قال: [ولا تحمل العاقلة عمداً]، وقد صح ذلك عن ابن عباس رضي الله عنه كما في البيهقي أنه قال: لا تحمل العاقلة عمداً، ولا اعترافاً، ولا صلحاً، ولا ما جنى المملوك -أي: ما جني على المملوك-.

كما قال ذلك الأصمعي وابن أبي ليلى وأبو عبيد.

فالعاقلة لا تتحمل هذه الأشياء، بل تكون على الجاني نفسه، فإذا قتل عمداً فعلى الجاني نفسه الدية ولا تكون على عاقلته، وإذا قتل عبداً وجبت قيمته على الجاني نفسه؛ وذلك لأن العبد مال فكان له مجرى سائر الأموال، كما لو أتلف سيارة أو أتلف حيواناً، أو غير ذلك؛ فإن ذلك يكون على الجاني المتلف فكذلك العبد؛ لأن العبد مال، ولذا لا تسمى دية في حقه، وإنما هي قيمة، وتختلف باختلاف صفاته، فقد تزيد وقد تنقص باختلاف صفاته، فهو مال يباع ويشترى.

قال: [ولا إقراراً]، إذا أقر على نفسه بقتل خطأ أو شبه عمد؛ فإن العاقلة لا تحمل ذلك، بل يتحمله هو؛ لئلا يكون ذلك طريقاً إلى الحيلة، كأن يأتي إلى القاضي ويقول: أنا أقر أني قتلت فلاناً، ويتفق هو وأهل الميت على أخذ الدية، ولا يكون هو القاتل، وعلى ذلك فإذا اعترف هو فإن العاقلة لا تحمل ذلك إلا إذا صدقته فإنها تحمل ذلك؛ لأن تصديقها يجعله كما لو ثبت القتل بالبينة، فما دام أنها تصدق فإن ذلك يكون كالبينة، ولأن الحيلة التي تخشاها كما تقدم قد زالت ولأن ما كنا نخشاه من التحايل في ذلك قد زال؛ لأنهم هم يصدقون، يعني: العصبة تصدق.

[ولا صلحاً]، فلو أن رجلاً أتي به إلى القاضي وقيل له: إنك قد قتلت فلاناً خطأً فقال: أنا لم أقتله، فقيل له: احلف! فقال: أنا لا أحب أن أحلف على شيء، لكن أتحمل الدية ولا أحلف، فهل تتحمل ذلك العاقلة؟ لا تتحمله العاقلة، بل يتحمل ذلك الجاني نفسه.

إذاً: إذا أقر أنه قتل عبداً ولم تصدقه العاقلة فإنه هو الذي يتحمل، أما إذا صدقته فإن العاقلة تتحمل.

كذلك: إذا قتل عمداً، فإن العاقلة لا تحمل ذلك، وكذلك الصلح، وكذلك ما دون الثلث من الدية، فهذه أربعة أشياء لا تحملها العاقلة كما هو المشهور في المذهب.

وهناك أثر عن عمر رواه ابن حزم في المحلى من طريق ابن وهب: لا تحمل العاقلة ما دون الثلث من الدية التامة، فما دون الثلث من الدية التامة لا تحمله العاقلة، ولقول النبي عليه الصلاة والسلام: (الثلث والثلث كثير) فما دون الثلث من الدية التامة لا تحمله العاقلة، فلو قطع أصبعاً خطأً ففيه عشر من الإبل، وثلث الدية التامة ثلاثة وثلاثون بعيراً وثلث؛ لأن الدية التامة مائة من الإبل، وهي دية المسلم الذكر.

وعلى ذلك: فإذا كانت الدية دون ثلاثٍ وثلاثين وثلث من الإبل؛ فإن الجاني نفسه يتحمل ذلك.

لو أنه قطع يد امرأةٍ مسلمة ففي ذلك نصف الدية، وديتها خمسون من الإبل، وعلى ذلك ففيه خمس وعشرون من الإبل، فهي دون ثلث الدية التامة، فيحملها الجاني نفسه كما تقدم، ولذا قال: [ولا ما دون ثلث دية ذكرٍ مسلم].

قال: [وتحمل الخطأ وشبه العمد]، العاقلة تحمل الخطأ، وتحمل شبه العمد، وتقدم ما يدل على ذلك، إذاً: لا نستثني إلا العمد.

قال: [مؤجلاً في ثلاث سنين]، أي: تؤجل الدية على العاقلة في ثلاث سنين، وتقدم ذكر هذا في درسٍ سابق.

قال: [وابتداؤه]، أي: ابتداء حول القتل [من الزهوق]، أي: زهوق النفس، وتقدم أيضاً شرح هذا، وأنه إذا مات في أول محرم فإن ثلث الدية يجب في واحد محرم من السنة التي بعدها وهكذا؛ حتى تنتهي السنون الثلاث.

قال: والجرح من البرء، أي: إذا كانت دية جرح فمن البرء.