للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من شروط قطع اليد السرقة]

[أحدها: السرقة، وهي: أخذ مال الغير من مالكه أو نائبه على وجه الاختفاء، فلا قطع على منتهب].

هذا هو حد السرقة، وشرطه أن يأخذه خفية، ولذا قال: فلا قطع على منتهب، وهو الذي يأخذ المال على وجه الغنيمة كما تفعله البادية، فالمال الذي يؤخذ على وجه الغنيمة يسمى انتهاباً، فهذا لا قطع فيه، وإنما فيه التعزير.

وقد روى الخمسة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا قطع على خائن ولا منتهب ولا مختلس)، قوله: [لا قطع على خائن].

أي: للوديعة، فالذي يجحد الوديعة -يعني: الأمانة- لا يقطع.

[ولا مختلس]: وهو الذي يأخذه على حين غفلة صاحبه، يعني: يضع مثلاً الجوال على الدرج وهو يشتري بعض أغراض من المحل ويكلم أهله ويسألهم عما يحتاجون إليه مثلاً من أغراض، فيأتي شخص على حين غفلة ويأخذه، فهذا اختلاس؛ لأنه أخذ على حين غفلة، فلا حد فيه، وإنما في ذلك التعزير.

قال: [فلا قطع على منتهب، ومختطف]، وهو المختلس الذي يأخذ الشيء على حين غفلة ويهرب به، فهذا لا يقطع، بخلاف من يقطع الجيب ويأخذ منه، وهو ما يسمى بالنشال؛ فإن هذا يأخذه من حرزه خفية، فهذا تقطع يده.

قال: [وخائن في وديعة]، للحديث المتقدم، فإذا خان وجحد الوديعة فإن يده لا تقطع.

قال: [لكن يقطع جاحد العارية]، فمن استعار شيئاً ثم جحده فإن في ذلك القطع، وقد جاء في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها: (أن امرأة كانت تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبي عليه الصلاة والسلام بقطع يدها)، ونحوه عن ابن عمر في أبي داود والنسائي، فهو شاهد له، ونحوه أيضاً عند النسائي من مراسيل سعيد بن المسيب، وهذا من مفردات المذهب، وبه قال إسحاق وهو الصواب، فهذه المرأة التي كانت تستعير المتاع فتجحده هي جاحدة للعارية فوجب قطعها.

فإن قيل: ما الفرق بين جاحد الأمانة وبين جاحد العارية؟ ف

الجواب

أن جاحد العارية محسنٌ إليه بها، فهو في حاجة إلى هذه العارية، ولا يمكن حفظ صاحب هذه العارية إلا بهذا، وأما جاحد الأمانة فإن من وضع عنده الأمانة لا يخلو من تفريط؛ لأن هذا تبين أنه غير أمين، فلا يخلو من وضع عنده الأمانة من تفريطٍ في إعطائه لهذه الأمانة، بخلاف العارية فإن هذا الذي قد أخذها هو المحتاج إليها، وقد أعطاه لهذا الرجل، أو أعطته هذه المرأة هذه العارية إحساناً له، فإذا لم يقطع ترتب على ذلك امتناع الناس عن الإحسان في هذا الباب، فلا يعيرون، وبهذا يتبين الفرق بين جحد العارية وجحد الأمانة، ولذا فرق بينهما الشارع، والشارع لا يفرق بين المتماثلات، ولا يجمع بين المختلفات.