للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ما يحرم من الطير]

قال: [ويحرم من الطير ما يصيد بمخلبه، كعقاب، وباز، وصقر، وباشق، وحدأة، وبومة].

لأن هذه المذكورة لها مخلب تأكل به وتعدو به، فهذه كلها حرام داخلة في النهي الوارد في صحيح مسلم: (وكل ذي مخلب من الطير).

قال: [وما يأكل الجيف].

الذي يأكل الجيف حرام، ولذا نهى الشرع عن أكل الغراب الأبقع، فقد جاء في الصحيحين أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (خمس يُقتلن في الحل والحرم: الحية، والغراب الأبقع) وهو الذي في رأسه بياض أو في بعض بدنه بياض (والفأرة، والحدأة، والكلب العقور).

وأمر الشرع بقتلها دال على النهي عن أكلها، إذ لو جاز أكلها لم يأمر بقتلها؛ لأن الشرع نهى عن إضاعة المال، ولأمر الشرع بذبحها لتؤكل، لكنه قال: (يُقتلن) فدل ذلك على أنها لا تُذبح فتؤكل، وعلى ذلك فلازم أمر الشرع بقتلها نهيه عن أكلها، فكل ما أمر الشرع بقتله فإنه لا يؤكل.

إذاً: هذه هي قاعدة قال أهل العلم إنها أصل في المطعومات، وهي أن كل ما أمر الشرع بقتله فإنه لا يجوز أكله؛ لأن الشرع ينهى عن إضاعة المال، ولو كان أكله جائزاً لأمر بذبحه لا بقتله.

وكذلك قالوا -وهو أصل آخر- ما نهى الشرع عن قتله فحرام أكله؛ لأنه لو أجزنا أكله لكان ذلك ذريعة إلى قتله، وقد جاء في سنن أبي داود: (أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن قتل أربع: النملة، والنحلة، والهدهد، والصرد)، والصرد: نوع من الطير.

فهذه نهى الشارع عن قتلها فلا يجوز أكلها، إذ لو جاز أكلها لكان ذلك ذريعة إلى قتلها.

كما أن الشارع نهى عن قتل الضفدع كما جاء في سنن أبي داود والنسائي ومسند أحمد، ففيها أنه: (أتاه طبيب فسأله عن أكل الضفدع للدواء؟ فنهى النبي عليه الصلاة والسلام عن قتل الضفادع)، فلا يجوز أكلها؛ لأنا لو أذِنّا في قتلها لقتلها الناس أو ذبحوها.

قال: [وما يأكل الجيف كنسر، ورخم، وقاق، ولقلق] وهو نوع من الطير يأكل الحيات، [وغراب، وخفاش، وفأر، وزنبور، ونحل، وذباب، وهدهد، وخطاف، وقنفذ، ونيص، وحية، وحشرات].

هذه كلها تأكل الجيف، وعلى ذلك فتحرم.

إذاً: كل ما يأكل الجيف فإنه يحرم، وهذه الأنواع -كما ذكرت- تحتاج إلى تحقيق المناط، أعني تحقيق العلة؛ فإن ثبت لنا أن العلة متحققة فيها وهي أكل الجيف قلنا إنها حرام؛ لأن الجيف خبيثة، وأكلها يؤثر على اللحم، ولذا نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن أكل الجلالة التي تأكل النجاسات وعن شرب لبنها، كما جاء هذا في سنن أبي داود والترمذي، وهو حديث صحيح، فكذلك ما يأكل الجيف لأن لحمه يتأثر بهذا الخبث الذي يأكله، وعلى ذلك فيكون ضاراً.

وهذا الذي ذكر المؤلف يحتاج إلى تحقيق المناط، فالغراب الأبقع يأكل الجيف، ولذا نهى عنه الشارع؛ لكن النيص لا يأكل الجيف وإنما يأكل جمار النخل، ولذا فإن الصحيح أن النيص حلال، والنيص: شبيه بالقنفذ وإن كان يختلف عنه في الحجم، ولذا فإنهم يقولون: هو عظيم القنافذ.

وأدخل المؤلف أنواعاً ليس تحريمها لأكل الجيف، وإنما تحريمها لأن الشرع نهى عن قتلها كالنمل والنحل.