للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم الاستثناء في اليمين]

قال: [ومن حلف بالله لا يفعل كذا، أو ليفعلن كذا إن شاء الله، أو إن أراد الله، أو إلا أن يشاء الله].

هذه هي اليمين يقيّدها الحالف بتعليق الأمر بالمشيئة فيقول: والله لأزورن فلاناً غداً إن شاء الله، أو قال: والله لأسافرن إلى مكة بعد أسبوع إن شاء الله، أو إن أراد الله، أو إلا أن يشاء الله فلا يحنث؛ لما روى الخمسة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من حلف على يمين فقال إن شاء الله لم يحنث)، وعلى ذلك لا كفارة عليه.

قال المؤلف: [واتصل لفظاً أو حكماً به] أي: بشرط أن يتصل لفظاً أو حكماً فاتصالها لفظاً بأن يقول: والله لأزوراً فلاناً غداً إن شاء الله! بلا فاصل.

واتصالها حكماً: بأن يكون هناك فاصل لا يقطع في العرف، كأن يعطس أو يسعل ثم يقول: إن شاء الله.

إذاً إذا قال العبد: والله لأزوراً فلاناً غداً إن شاء الله، واتصل قول (إن شاء الله) بكلامه لفظاً أو حكماً، ثم إنه لم يزره، فلا كفارة عليه للحديث المتقدم، ولذا قال: [لم يحنث فعل أو ترك].

ثم قال: [بشرط أن يقصد الاستثناء قبل تمام المستثنى منه].

يعني: بشرط أن ينوي الاستثناء قبل أن يتم كلامه في المستثنى منه، يقول: والله لأزورن فلاناً غداً، فقبل أن تنتهي هذه الجملة يعقد في قلبه أن يقول إثرها: إن شاء الله.

لكن لو قال: والله لأزورن فلاناً غداً، ثم بدا له أن يقول: إن شاء الله فقال: إن شاء الله، أو قال له رجل: قل إن شاء الله، فقال: إن شاء الله، فالحكم كما قالوا: إن قوله (إن شاء الله) هنا لا يؤثر، وعلى ذلك فإذا حنث فعليه الكفارة.

إذاً: لا بد أن يكون قد نوى الاستثناء أثناء جملة المستثنى منه، فلا تتم هذه الجملة إلا وقد نوى الاستثناء.

وقال المالكية وهو -كما قال شيخ الإسلام - قول أحمد ومتقدمي أصحابه لكنه خلاف المشهور في المذهب، واختاره رحمه الله: إن هذا الاستثناء يصح ولو لم ينوه حال كلامه السابق الذي هو المستثنى منه، واستدلوا بما جاء في البخاري في قصة يمين سليمان عليه الصلاة والسلام، وفيه أن الملك قال له: قل إن شاء الله، فلم يقل، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أما إنه لو استثنى لم يحنث) قالوا: فدل ذلك على أنه إذا قالها متصلة بكلامه ولو لم ينوها أثناء كلامه السابق فإنها تؤثر، وهو ظاهر قول النبي عليه الصلاة والسلام: (من حلف على يمين فقال إن شاء الله)، وما ذكروه قيد لم يقيد به الحديث.

وعلى ذلك فالصحيح ما اختاره شيخ الإسلام وهو مذهب المالكية، وذكر شيخ الإسلام أنه قول أحمد ومتقدمي أصحابه.