للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تعريف الإقرار وبيان من يصح إقراره]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كتاب الإقرار].

ختم المؤلف هنا كتاب الفقه بالإقرار تفاؤلاً بحسن الخاتمة بالإقرار بالشهادتين، فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة) وجعل هذه المسألة أيضاً آخر مسألة في هذا الكتاب، نسأل الله جل وعلا أن يختم لنا بخير.

وبعض الفقهاء يضعون باب العتق خاتمة لكتاب الفقه تفاؤلاً بالعتق من النار.

الإقرار: هو الاعتراف بالحق، ومنه قول النبي عليه الصلاة والسلام: (واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمه) متفق عليه.

قال: [لا يصح الإقرار إلا من مكلف]، يعني من بالغ عاقل، [مختار]، لا مكره، ولذا قال عليه الصلاة والسلام فيما ثبت في سنن أبي داود وغيره (رُفع القلم عن ثلاثة: الصبي حتى يبلغ، والمجنون حتى يفيق، والنائم حتى يستيقظ).

وقال في البيهقي وغيره: (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه).

نأخذ من هذين الحديثين أن غير المكلف -وهو المجنون أو الصبي- لا يصح إقراره، فلو أن صبياً أقر أن لفلان عليه مائة ريال لم نأخذ بإقراره، وكذلك المجنون.

والمختار كما تقدم هو غير المكره للحديث المتقدم (وما استكرهوا عليه) فالمُكره لا يؤخذ بإقراره.

وإذا قال: أنا قد أُكرهت فلا نقبل دعوى الإكراه إلا ببينة أو ما يدل على الإكراه كأن يقر في حبس، أو أن يظهر عليه أثر ضرب، ونحو ذلك، وإلا فإن دعوى الإكراه لا تُقبل؛ لأن الأصل عدم الإكراه.

لو قال: إني إنما أقررت مُكرهاً نقول: هل عندك بيّنة؟ إن قال: لا.

فنقول: هل عندك ما يدل على الإكراه كأن تقر تحت السياط أو في حبس؟ فإن قال: لا، فإنا نقول له: لا نقبل منك هذه الدعوى؛ لأن الأصل عدم الإكراه.

قال: [ولو هازلاً] كالطلاق؛ فالهازل يؤخذ بإقراره لتعلُّق حق المُقَر له بذلك.

[بلفظ أو كتابة لا بإشارة إلا من أخرس].

الإقرار بلفظه أن يقول: أُقر أن لفلان عليّ ألف ريال، أو يكتب بخطه: هذا أنا فلان ابن فلان أُقر بأن لفلان عليّ كذا.

أما الإشارة فلا يؤخذ بها إلا من أخرس؛ لأن الإشارة من الأخرس تقوم مقام النطق.

قال: [لكن لو أقر صغير أو قن أُذن لهما في تجارة في قدر ما أُذن لهما فيه صح].

الصبي تقدم أنه لا يؤخذ بإقراره، لكن إن كان وليه قد أذن له بتجارة قبل إقراره بحدود ما يؤذن لمثله به مثل ما يسمى بالبسطة التي يبيع بها الصغار عند أبواب المساجد أو في الطرق، فإذا اشترى منه رجلاً مثلاً بخمسمائة ريال وأعطاه البضاعة وبقيت عنده دراهم، فأقر هذا الصبي أن هذا الرجل يريد منه ما بقي من الخمسمائة وهي مثلاً ثلاثمائة ريال، فإنه يؤخذ بالإقرار؛ لأنه ما دام أنه أُذن له بالتصرف بالبيع والشراء بحدود ما يصلح لمثله، فكذلك نأخذ بإقراره في هذا.