للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أسباب ثبات الإمام أحمد في فتنة خلق القرآن]

قال ابن أبي داود رحمه الله: [وقل غير مخلوق كلام مليكنا بذلك دان الأتقياء وأفصحوا ولا تك في القرآن بالوقف قائلاً كما قال أتباع لجهم وأسجحوا ولا تقل القرآن خلق قرأته فإن كلام الله باللفظ يوضح].

هذه الأبيات الثلاثة تتعلق بموضوع القرآن، وهل القرآن من كلام الله عز وجل أو ليس من كلام الله، وهل هو مخلوق أو غير مخلوق.

وبعض الناس يقول: وماذا يترتب على هذه القضية؟ ولماذا أتعب الإمام أحمد نفسه وثبت في هذه القضية، وسجن وجلد وعذب حتى كاد يقتل؟ ونقول: هذه القضية ليست بالقضية الهينة، والإمام أحمد رحمه الله وقف في هذه الفتنة لعدة مصالح.

أولاً: أنه لو وافق على أن القرآن مخلوق ففي هذا تحريف للنصوص الشرعية الواردة بأن القرآن كلام الله عز وجل.

ثانياً: أنه سينفتح على الأمة باب كبير من أبواب البدع، وهو تأويل صفات الله سبحانه وتعالى، واتخاذ العقل مصدراً لتلقي العقائد وحينئذ ستنحرف الأمة انحرافاً كبيراً، ولهذا قال كثير من أهل العلم: إن الله عز وجل حفظ هذه الأمة بـ أبي بكر يوم الردة وبـ أحمد بن حنبل يوم الفتنة ولهذا سيبقى اسم الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله مرتبطاً بالسنة وبالعقيدة إلى قيام الساعة.

وهناك أشخاص من الصالحين جعلهم الله عز وجل من الذين يثبتون هذه الأمة، وأصبحت شهرة الإمام أحمد تطبق الآفاق، ليس في زمانه والزمان الذي بعده فحسب، بل إلى زماننا هذا، وستستمر حاجة الناس إلى مسند الإمام أحمد وبقية كتبه إلى ما بعد ذلك، وهذا يدل على أن الإنسان إذا كان صادقاً ووقف لله سبحانه وتعالى في قضية حساسة تتعلق بأصول العقيدة أن الله عز وجل يثبته ويوفقه كما حصل للإمام أحمد رحمه الله.

وقول المؤلف: [وقل غير مخلوق كلام مليكنا بذلك دان الأتقياء وأفصحوا].

والأتقياء: هم الصحابة والتابعون ومن جاء بعدهم من أهل السنة.

وقوله: [ولا تك في القرآن بالوقف قائلاً].

يعني: لا تقل أنا متوقف هل هذا القرآن كلام الله أو ليس بكلام الله؟ وهل هو مخلوق أو ليس بمخلوق؟ لأن التوقف معناه عدم الإيمان، وعدم الإقرار بالنصوص الدالة على أنه كلام الله سبحانه وتعالى وأنه غير مخلوق.

وكلام الله باللفظ يوضح؛ لأن كلام الله عز وجل كما تعلمون صوت وحرف، واللفظ حروف مشتملة على أصوات، وتعريف اللفظ في لغة العرب: شيء ملفوظ، واللفظ بمعنى: الرمي، والكلام الملفوظ معناه: الكلام الذي يكون بحروف مشتملاً على أصوات.

<<  <  ج: ص:  >  >>