للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[صفة العلو في لمعة الاعتقاد]

قال ابن قدامة رحمه الله تعالى: [ومن ذلك قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥]].

لأن الاستواء يدل على العلو أيضاً، كيف الاستواء يدل على العلو؟ العرش بإجماع أهل الديانات أنه فوق السماء، وأن السماء في العلو، فإذا أثبتنا أن الله مستو على عرشه فقد أثبتنا أنه عالٍ على خلقه، ولهذا فهم ينفون الاستواء أيضاً كما أنهم ينفون العلو، ويعتبرون الاستواء معناه الاستيلاء، ويتركون النصوص الصريحة في الاستواء التي من معانيها العلو، ويستدلون ببيت للأخطل، يقول فيه: قد استوى بشر على العراق من غير سيف أو دم مهراق ويقولون: استوى هنا بمعنى: استولى، هذا البيت قاله رجل نصراني، وهو من المتأخرين الذين لا يحتج بهم، ولا يعرف أنه ثابت عنه، ولهذا عندما ناقشهم ابن القيم في الصواعق المرسلة قال: أنتم تردون الأخبار الواردة في البخاري ومسلم وتسمون هذه أخبار آحاد لا تقبل في العقيدة، ثم تؤولون النصوص الشرعية مثل آيات الاستواء بقول للأخطل لم يثبت بطريق الآحاد، وبعض الناس يشكك فيه، ويقول: إنه كذب، والأخطل نصراني وليس بمسلم، وعقيدة النصراني في الصفات قريبة من عقيدة المعطلة؛ لأنهم يرون أن عيسى ابن الله، وأن فيه جزءاً لاهوتياً وجزءاً ناسوتياً، ومع هذا يستدلون به.

وهذا يدل على وجود الهوى، وهذا يدل على سبب موقف أهل السنة من هؤلاء المبتدعة، ولماذا يبينون بدعتهم؟ لأنهم يحرفون كلام الله عز وجل، ثم يأتون بقول الأخطل، كما فعلوا في كلام الله عز وجل، قالوا: إنه الكلام النفسي، فقيل لهم: إن الكلام في لغة العرب لا يمكن أن يكون نفسياً، ولهذا أهل النحو يعرفون الكلام بأنه: اللفظ المفيد، واللفظ هو الصوت المشتمل على حروف، وليس هناك شيء اسمه كلام نفسي، قالوا: يقول الأخطل: إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلاً فيستدلون بقول الأخطل غير الثابت وهو نصراني، وبيت واحد وهو غير مشهور في اللغة، ويتركون النصوص الصريحة الواضحة البينة.

قال المؤلف رحمه الله: [ومن ذلك قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥].

وقوله تعالى: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:١٦].

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمه).

وقال للجارية: (أين الله؟ قالت: في السماء.

قال: أعتقها فإنها مؤمنة) رواه مالك بن أنس ومسلم وغيرهما من الأئمة].

وهذا يدل على أن إثبات الصفات لله عز وجل يؤخذ من قول الرسول صلى الله عليه وسلم ومن تقريره، فقد أقر هذه الجارية على أن الله في السماء، وقال: (أعتقها فإنها مؤمنة).

وصفة العلو مأخوذة من جميع أنواع الصيغ الواردة في الاستدلال، فوردت في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وفي كلام الله عز وجل، ووردت في تقرير الرسول صلى الله عليه وسلم مثل حديث الجارية، ووردت أيضاً من فعله؛ فإنه في يوم عرفة عندما قال: (اللهم اشهد) كان يرفع إصبعه إلى السماء ثم ينكتها إلى الأرض، وهذا استدلال بفعل النبي صلى الله عليه وسلم على إثبات صفة العلو لله تعالى.

قال رحمه الله: [وقال النبي صلى الله عليه وسلم لـ حصين: (كم إلهاً تعبد؟ قال: سبعة، ستة في الأرض وواحداً في السماء، قال: من لرغبتك ورهبتك؟ قال: الذي في السماء، قال: فاترك الستة واعبد الذي في السماء، وأنا علمك دعوتين.

فأسلم وعلمه النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول: اللهم ألهمني رشدي، وقني شر نفسي)].

حصين عندما كان مشركاً كان يثبت أن الله في السماء، فمن كان أهل الشرك أعرف منه بربه فكيف يعرف مثل هذا الشخص ربه؟ والعياذ بالله.

قال: [وفيما نقل من علامات النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الكتب المتقدمة: أنهم يسجدون بالأرض، ويزعمون أن إلههم في السماء].

هذه أبرز ميزة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وهي: إثبات أن الله في السماء.

قال: [وروى أبو داود في سننه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن ما بين سماء إلى سماء مسيرة كذا وكذا) وذكر الخبر إلى قوله: (وفوق ذلك العرش، والله سبحانه فوق ذلك).

فهذا وما أشبهه مما أجمع السلف رحمهم الله على نقله وقبوله، ولم يتعرضوا لرده ولا تأويله ولا تشبيهه ولا تمثيله.

سئل الإمام مالك بن أنس رحمه الله فقيل: يا أبا عبد الله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥] كيف استوى؟ فقال: الاستواء غير مجهول].

وفي لفظ: (الاستواء معلوم).

فإن الاستواء في لغة العرب بمعنى: الصعود والجلوس، والقصد إلى الشيء.

قال: [فقال: الاستواء غير مجهول، والكيف

<<  <  ج: ص:  >  >>