للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الإيمان بالقدر وما يدخل فيه]

الإيمان بالقدر ركن أساسي من أركان الإيمان، ومعنى الإيمان بالقدر أن يؤمن الإنسان بأربعة قضايا وأصول: الأصل الأول: أن يؤمن بعلم الله الشامل المحيط بكل شيء، بما في ذلك أفعال العباد وتصرفاتهم.

الأصل الثاني: أن يؤمن بمشيئة الله عز وجل العامة الشاملة لكل شيء، وأنه لا يمكن أن يخرج شيء من الأشياء عن مشيئة الله سبحانه وتعالى.

الأصل الثالث: أن يؤمن بكتابة الله عز وجل لمقادير العباد، وأن الله عز وجل قد كتب مقادير العباد قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وأن الله عز وجل علم منازل وأعمال وتصرفات العباد، ومن منهم من أهل الجنة، ومن منهم من أهل النار، وكتب كل ذلك في اللوح المحفوظ عنده.

الأصل الرابع: هي أن يؤمن أن أفعال العباد مخلوقة لله سبحانه وتعالى.

هذه الأصول الأربعة لابد من الإيمان بها، فإذا آمن بها فإنه يكون سنياً على الجادة، وإن لم يؤمن بها فإنه يكون مبتدعاً ضالاً بحسب إنكاره أو تأويله لأحد هذه الأصول.

والنبي صلى الله عليه وسلم حذر من البحث في القدر بغير المنهاج الشرعي، ولهذا لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم على الصحابة فوجدهم يتكلمون في القدر، وبعضهم ينزع بآية، وبعضهم ينزع بآية أخرى، غضب عليه الصلاة والسلام، واحمر وجهه كأنما فقئ فيه حب الرمان، فقال: (أبهذا أمرتم، أن تضربوا كلام الله بعضه ببعض؟)، فنهاهم صلى الله عليه وسلم.

ونهيه صلى الله عليه وسلم ليس عن الكلام في القدر كعلم، وكباب من أبواب الدين لا ينبغي الحديث عنه، وإنما نهاهم عن الطريقة التي اتبعوها في ذلك، وهي أن يضربوا كلام الله عز وجل بعضه ببعض، ويتصوروا أن بعضه مخالف لبعض، وهو ليس كذلك.

الصورة المجملة للإيمان بالقدر: أن الله عز وجل قبل أن يخلق العباد، وقبل أن يخلق السماوات والأرض كان يعلم أنه سيخلق الناس، ويعلم ماذا سيعملون، ويعلم على أي شيء سيموتون، وعلى أي شيء سيبعثون، وفي أي منزل سيكونون في الجنة أو النار.

وفي الوقت نفسه خلق في الإنسان قدرة وإرادة، فهو يريد ما يشاء، وبقدرته يستطيع أن يفعل ما يشاء، فالإنسان من حيث القدرة والإرادة مختار ولا جبر عليه، ولهذا يقسم العلماء موضوع الجبر إلى قسمين.

والحقيقة أن أهل العلم ينهون عن كلمة الجبر؛ لأن كلمة الجبر يفهم منها: أن الله عز وجل جبر العباد على شيء لا يريدونه، لكنهم يسمونه الجبل -باللام- كما ورد في حديث أشج عبد القيس عندما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله، الحلم والأناة قال: يا رسول الله! أشيء جبلني الله عليه أم شيء مني؟ قال: بل جبلك الله عليه -خلقك الله كذلك- قال: الحمد لله الذي جبلني على ما يحب).

<<  <  ج: ص:  >  >>