للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الإيمان بمشيئة الله عز وجل وإرادته الكونية العامة]

إن الله عز وجل لا يكون في خلقه إلا ما يريد، ولا يمكن أن يفعل العبد فعلاً -حتى لو كان من اختياره- إلا بعد إرادة الله كما قال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير:٢٩]، فلا يمكن للعبد أن يختار أمراً إلا بعد مشيئة الله عز وجل لذلك، ومشيئة العبد تابعة لمشيئة الله سبحانه وتعالى.

وإرادة الله تنقسم إلى قسمين: إرادة كونية، وإرادة شرعية، والفرق بينهما: أن الإرادة الكونية معناها الإرادة العامة الشاملة لجميع أحوال الناس، فلا يمكن أن يكون في حياة الناس شيء إلا بمشيئة الله، سواء رضي الله عنه أو لم يرضه، فالكفر والشرك حاصلان بمشيئة الله، والطاعة والإيمان حاصلان بمشيئة الله، وظلم الظالمين وعدل العادلين حاصلان بمشيئة الله.

لكن قد يقول قائل: لماذا يشاء الله هذه الأمور السيئة مثل الظلم، والكفر، والعدوان، ووجود الشيطان، والنفس الأمارة بالسوء؟

و

الجواب

من أجل الاختبار والابتلاء، فالله عز وجل قدر أن النوع الإنساني يكون في هذه الأرض مختبراً، يبتليه عز وجل بأشياء متعددة، ويأمره بأوامر، ويرسل إليه الرسل، فإن أطاع فإنه يدخل الجنة ثواباً، وإن عصى فإنه يدخل النار عقاباً.

والثواب والعقاب والجنة والنار لا تحصل إلا نتيجة اختبار، فالله عز وجل اختبر العباد، وجعل لهم أموراً معينة تنقذهم من الهلكة: الأمر الأول الفطرة الطيبة التي تدعو الإنسان إلى التأله والحاجة لله عز وجل.

والأمر الثاني: إرسال الرسل.

والأمر الثالث: قوله (إن للملك لمة وللشيطان لمة، فلمة الملك إيعاد بالخير، وتصديق بالحق، ولمة الشيطان إيعاد بالشر، وتكذيب بالحق).

الأمر الرابع: أنه في حياة الإنسان وفي نفسه ما يدله على الخير، كما قال الله عز وجل: {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:٢١].

والأمر الخامس: أن الله عز وجل خلق له عقلاً يستطيع أن يتفهم به الأمر الصالح من الأمر السيئ، وأن يتفهم ما ينفعه مما لا ينفعه، مع جعل النفس ترغب وتنشرح وتطمئن وتنساق إلى الأمر الذي فيه منفعة للإنسان، وتنزعج وتشعر بالهم والتعاسة من الشيء الذي لا يوافق دين الله سبحانه وتعالى.

هذه أمور معينة للعبد، هناك أيضاً أمور خطيرة بالنسبة للعبد، مثل الشهوات التي تدفع الإنسان للمعصية، مثل شهوة الجنس، وطلب الفاحشة وشهوة حب المال والجاه، والرياء وغيرها من الشهوات.

وخلق أيضاً الكفر والفسوق والعصيان، وخلق الشيطان الذي يزين له المعصية، كما حصل لـ أبي العلاء المعري، فقد كان رجلاً أعمى وكان يحب الزنا كما يذكر من ترجم عنه -فيقال: إنه جيء له بزوجته، فبعد أن فرغ منها قالت له: أنا فلانة، فقال لها: ما أقبحك حلالاً وما أحلاك حراماً! يعني: ما أحلى الحرام، وما أقبح الحلال! فالشيطان يزين المعصية للإنسان.

وهناك عدة قضايا جعلها الله اختباراً للإنسان، فالإنسان في هذه الحياة بين هذه الأمور جميعاً في حالة اختبار ولم يظلمه الله عز وجل بل أرسل إليه الرسل، ونصب العلامات الدالة عليهم وهناك من الأدلة العقلية المقنعة ما يمكن للإنسان أن يستفيد منها، فإذا انحرف الإنسان فإنه يتحمل مسئولية نفسه؛ لأنه هو الذي اختار هذا الدرب وهذا الطريق بمحض مشيئته واختياره، دون جبر من الله سبحانه وتعالى.

لكن لا يمكن للعبد أن يفعل الكفر إلا بمشيئة الله، ولا يمكن أن يفعل الحرام إلا بمشيئة الله، ولا يمكن أن يفعل أي أمر من الأمور إلا بمشيئة الله سبحانه وتعالى؛ هذا النوع الأول من المشيئة.

<<  <  ج: ص:  >  >>