للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الإيمان بأن الله خالق أفعال العباد]

أفعال العباد كلها مخلوقة لله عز وجل، سواء الأفعال الحسنة أو السيئة، فلا يفعل العبد الفعل إلا بخلق الله عز وجل لذلك الفعل.

والفعل في حقيقته يتكون من إرادة وقدرة، فإذا تخلف واحد من هذين يتخلف الفعل، مثلاً: أنا أريد أن أخذ منديلاً واحداً من هذه المناديل، فهذا فعل لابد فيه من إرادة، ولابد فيه من قدرة، لو تخلفت الإرادة هل سآخذ؟ لا؛ لأني ما أردت، لكن لو أردت وأنا لا أقدر لأي سبب من الأسباب، هل يكون الفعل؟ لا يكون الفعل إلا باجتماع الأمرين: إرادة وقدرة، وهذه خلقها الله عز وجل في الإنسان، وما ينتج عنها مخلوق لله عز وجل؛ ولهذا يقول الله عز وجل: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات:٩٦].

فالله عز وجل خالق كل عبد وصنعته، فهو سبحانه وتعالى خالق العبد، وما ينتج عن العبد من أفعال أو أقوال أو تصرفات، وما نتج عن مخلوق فهو مخلوق.

لكن هناك

السؤال

هل إرادة الإنسان وقدرته على الفعل إرادة وقدرة مستقلة، يعني: بدون إرادة وقدرة من الله سبحانه وتعالى؟

الجواب

لا، لابد أن يكون هناك إذن من الله عز وجل.

إذاً إثباتنا لقدرة العبد واختياره ومشيئته لا يدل على أن العبد مختار استقلالاً عن الله عز وجل، إذاً نفهم قاعدة الأسباب؛ أن الأسباب موجودة، وهي ليست مستقلة عن الله عز وجل.

المطر ينزل من السماء فتنبت الأرض، فسبب النبات هو المطر، وهل هذا المطر خلق النبات؟ لا، لكن كان سبباً فيه، وذلك أن الله عز وجل جعل في الكون عللاً وغايات وأسباباً، وهذه الأسباب جعل الله عز وجل فيها خاصية معينة ينتج عنها المسبب، فالمطر جعل فيه خاصية إنبات الزرع، هذه الخاصية المعينة خلقها الله عز وجل، فالذي خلقها قادر على تعطيلها، وقادر على أن ينزل المطر فلا تنبت الأرض، وقادر على أن ينزل المطر فتنبت الأرض.

فهكذا أفعال الناس، وهكذا أيضاً كل سبب من الأسباب؛ فإنه من جهة يعتبر سبباً حقيقياً مؤثراً، لكن تأثيره ليس تأثيراً استقلالياً، بل هو تابع لإرادة الله عز وجل وقدرته، وإذا شاء الله عز وجل فإنه يعطل هذه الأسباب.

فمثلاً النار التي أعدها النمرود لإبراهيم عليه السلام، أليس من طبيعتها وخاصيتها الإحراق؟ بلى لكن الذي خلق فيها هذه الطبيعة وهذه الخاصية سلب منها ذلك لما ألقي فيها إبراهيم: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:٦٩]، فكانت هذه النار برداً وسلاماً على إبراهيم، فلم يشعر بالحرارة، ولا بالحرق، بل كانت برداً وسلاماً، مع أن الطائر كان إذا جاء من فوقها يحترق من شدة لهيبها.

وأيضاً السكين أليس من طبيعتها القطع؟ وهذه خاصية من خصائصها، فكذلك عندما أراد إبراهيم أن يذبح ولده، سلب الله عز وجل هذه الخاصية، فلم يحصل الذبح بها.

لكن الأصل أن الأسباب مؤثرة، ثم قد يسلبها الله عز وجل إذا شاء، وهذا يدل على أن تأثير الأسباب في المسببات ليست تأثيراً استقلالياً، بل هي تابعة لإرادة الله عز وجل.

هذا التأصيل هو عبارة عن شرح لعقيدة أهل السنة والجماعة، أو للجزء الأساسي لموضوع القدر الذي في عقيدة أهل السنة والجماعة، وهناك مسائل متفرقة قد لا تعنينا الآن، لكن الذي يعنينا هو ما ذكرنا، ولو رجعنا إلى كتاب القدر في صحيح البخاري سنجد أن كل نص من النصوص يعود إلى أصل من هذه الأصول المذكورة.

<<  <  ج: ص:  >  >>