للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم الاعتماد على الرؤى لإنشاء أحكام شرعية]

السؤال

سمعت من أحد الشباب: أن امرأة رأت في المنام أنها ولدت، وولدها كان يرضع من القمر، وسألت مفسر الأحلام فاستحلفها على ذلك فأجابها بقوله: إن المهدي ولد؟

الجواب

كثير من الناس مع الأسف يبني أشياء في الشريعة على رؤى وأحلام.

أولاً: قد يكون هذا من حديث الشيطان مع هذه المرأة، فكيف يدعي أن المهدي ولد؟ هل مجرد أن هذه المرأة رأت طفلاً يرضع من القمر يثبت ذلك، ربما يفسرها مفسر آخر بأن هذا الطفل سيخرج عالماً في القرآن؛ لأن القمر هو عبارة عن نور، والله عز وجل وصف القرآن بأنه نور، فكونه يرضع منه فهو يقبل هذا النور ويصير عالماً، ما المانع أن يكون هذا هو التفسير؟ لماذا يحدد تفسيراً معيناً، هل جاءه ملك من السماء وأخبره أن التفسير هو كذا؟ هذه اجتهادات، والاجتهادات لا يصلح للإنسان أن يتخذها منهجاً.

وبعض الخرافيين أصبحوا الآن يرددون، يقول أحدهم: أنا عندي مائة رؤيا على أن المهدي سيولد، بل بعضهم يحدد ويقول: سقوط هذه الدولة سيكون في الوقت الفلاني، وسقوط هذه الأمة سيكون في الوقت الفلاني، والمهدي سيخرج بعد أربعة أشهر.

وفي عام ألف وأربعمائة ظهر مجموعة من الشباب اشتغلوا بهذه القضية، فأخرجوا لنا رجلاً اسمه عبد الله القحطاني، وادعوا أنه المهدي وبنوا على رؤى، وجاءوا به إلى الحرم مسلحين وادعوا له المهدية، وأمروا بإغلاق الأبواب، وأصبحت مأساة في تاريخنا مع الأسف، وأصبحت مصيبة من المصائب، لماذا صارت مأساة؟ لأنهم قاتلوا في المسجد الحرام، في الشهر الحرام ومنعوا مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، وحجب الناس عن الصلاة أكثر من خمسة عشر يوماً، وقاتلوا المسلمين وحصلت فتنة مبناها وأساسها فاسد، ولهذا خالفهم كبار علماء المسلمين في ذلك الوقت.

فأقول: الذين يشتغلون بهذا الأمر بدءوا في طريق منحرف عن السنة، فإن هذه الرؤى هي عبارة عن أشياء مبشرة، والناس يختلفون في تأويلها، قد يجتهد فلان فيؤولها بمعنى، ويجتهد فلان فيؤولها بمعنى آخر، ويجتهد فلان ويؤولها بمعنى ثالث.

أما أن يتخذها الإنسان منهجاً في حياته فهذا انحراف، بعض الناس الآن أصبح كل ليلة يرى رؤيا، مع أنه قبل سنتين ما كان يرى، لكن انقلب فكره وصار مهتماً بالرؤى فصار يراها، وتتلاعب به الشياطين.

وبالذات قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ما كان يرى رؤى، ولا كان يفكر فيها، ولا يخطر في باله أنه سوف يرى رؤى، لكن بعدما اهتم بهذا الجانب أصبح كلما نام يرى رؤيا، ثم يجمع الرؤى ويقول: أنا عندي عشر رؤى تدل على أن الوزير الفلاني سيموت عندي ثمانون رؤيا تدل على أن أمريكا ستسقط، ومعلوم أن كل دولة ظالمة تستمر فترة من الزمن بهذا الظلم والتعسف ثم تسقط، لكن بعض الأحيان يحددون: ستسقط بعد أربعة أشهر، وهؤلاء سينكشف أمرهم بعد أربعة أشهر، وإذا بهم طواغيت في كل مكان يذبحون خلق الله عز وجل، فيقال: أين رؤاك، قال: لا.

هناك رؤى ثانية تدل على أن هذا بعد سنة، وهكذا.

وهذا المنهج الرديء منهج مخالف للكتاب والسنة قطعاً؛ لأن الرؤى ليس لها قيمة في الشرع، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل أصحابه عن الرؤى ويجيب؛ لكن هل بنى حياته الدعوية أو السياسية أو الاجتماعية على الرؤى؟ لا.

بل خاض غزوة بدر وغيرها من الغزوات بدون رؤى، وبنى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دولة عملاقة ضخمة استطاعوا أن يسيطروا بها على العالم بأكمله بدون أي رؤى، وهل كان الصحابة رضوان الله عليهم يومياً -مثل بعض الناس- يرون رؤى بهذا الأسلوب؟ ما كانوا بهذه الطريقة.

الشاهد: أن هذا الأسلوب هو الموضة الجديدة عند بعض الشباب مع الأسف، الرؤى ومعالجة المرضى عن طريق الجن المسلمين، وفي كل سنة تظهر لنا موضة، والمشكلة عندما يتبناها أشخاص كانوا يوماً من الأيام من الدعاة إلى الله عز وجل.

لكن ينبغي على الإنسان أن يحمد الله سبحانه وتعالى على الالتزام بالسنة، والإنسان مهما يكن قد ينحرف عنها، سواء كان هذا الانحراف قليلاً أو كبيراً، لكن ينبغي أن يدرك الإنسان أن المنهاج الشرعي هو التعامل مع الكتاب والسنة.

وقد أمرنا الله عز وجل أن نقاوم المنافقين والكافرين، وأن نجتهد في عمل الصالحات، وأن ندعو إلى الله، وأن نصلح المجتمع.

ولم يأمرنا الله عز وجل في أي نص من النصوص بأن نجمع الرؤى؛ لنتكلم عن الغيب، كهذه الطريقة التي يسعون لها، واتخذوها منهجاً.

هناك فرق بين من يتكلم في الرؤى مرة ومرتين وثلاثاً أو يتكلم بها في شيء عابر، وبين من يتخذها منهجاً، حتى صارت ديدناً له، يتكلم بها في كل وقت، لو يطلع معك في سيارة ويغفو قليلاً يرى رؤيا، لا يمكن أن ينام بدون رؤيا، ولا يمكن أن تكون هذه الرؤية شيئاً عادياً، فلا بد من مهدي يطلع، ودولة تسقط، وحاكم سيموت، والمسلمون سيبتلون ببلية، الرؤى كلها موضوعها محدود، إما سياسية أو تتعلق بأخبار الساعة كلها حسب اهتمامات الشخص، أو أن فلاناً من الدعاة إلى الله عز وجل سيصير حاكماً لدولة عظيمة أكبر من أمريكا، لماذا؟ لأنه يحدث نفسه بها، ويفكر في هذا الموضوع

<<  <  ج: ص:  >  >>