للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة]

قال رحمه الله: [وأما الدرجة الثانية: فهي مشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة، وهو الإيمان بأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه ما في السموات وما في الأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله سبحانه].

وهذا فيه رد على المعتزلة الذين يرون أن العبد يخلق فعل نفسه، وأنه ليس بمشيئة الله سبحانه وتعالى.

قال رحمه الله: [لا يكون في ملكه ما لا يريد، وأنه سبحانه على كل شيء قدير من الموجودات والمعدومات، فما من مخلوق في الأرض ولا في السماء إلا الله خالقه سبحانه، لا خالق غيره، ولا رب سواه، ومع ذلك فقد أمر العباد بطاعته وطاعة رسله، ونهاهم عن معصيته، وهو سبحانه يحب المتقين، والمحسنين والمقسطين، ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ولا يحب الكافرين، ولا يرضى عن القوم الفاسقين، ولا يأمر بالفحشاء، ولا يرضى لعباده الكفر، ولا يحب الفساد.

والعباد فاعلون حقيقة، والله خالق أفعالهم.

والعبد هو المؤمن والكافر، والبر والفاجر، والمصلي والصائم.

وللعباد قدرة على أعمالهم، ولهم إرادة، والله خالقهم وقدرتهم وإرادتهم، كما قال الله تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير:٢٨ - ٢٩].

وهذه الدرجة من القدر يكذب بها عامة القدرية الذين سماهم النبي صلى الله عليه وسلم مجوس هذه الأمة].

الحديث الوارد وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (القدرية مجوس هذه الأمة)، اختلف العلماء في صحته، والشيخ الألباني رحمه الله في تخريجه على السنة لـ ابن أبي عاصم يرى أنه حسن بمجموع الطرق، وتشبيه النبي صلى الله عليه وسلم للقدرية بأنهم مجوس هذه الأمة، هو من جهة أن المجوس يرون أن الخالق هو النور والظلمة، وأن النور هو إله الخير، وأن الظلمة إله الشر، وينسبون إلى الظلمة التي هي إله الشر أفعالاً مستقلة تخلقها.

فالإشراك في الربوبية عند المجوس ظاهر في كون الإله عندهم الخالق، وإن كانوا يعظمون النور ويجعلون الظلمة ليست محبوبة، وأنها ليست بمنزلة النور، إلا أنهم ينسبون لها أفعالاً مستقلة.

وهكذا المعتزلة، فإنهم يرون أن الله هو الخالق مطلقاً، لكن ينسبون إلى العبد مخلوقات أيضاً، فجعلوه خالقاً مع الله سبحانه وتعالى.

ولهذا يسميهم السلف: نفاة الصفات مشبهة الأفعال، فهم يشبهون العبد بالله عز وجل في الفعل، ويجعلونه خالقاً مع الله عز وجل، لأنهم ينفون الكتابة والتقدير، وينفون خلق الله عز وجل المتعلق بأحوال العباد.

قال رحمه الله: [ويغلو فيها قوم من أهل الإثبات، حتى سلبوا العبد قدرته واختياره، ويخرجون عن أفعال الله وأحكامه حكمها ومصالحها].

يقصد بهؤلاء الجبرية والأشعرية، فإنهم يغلون في إثبات أن الله عز وجل كتب مقادير العباد، وفي إثبات أن الله سبحانه وتعالى خلق أفعال العباد، إلى درجة أنهم ينفون قدرة العبد على فعله.

ولهذا قسم ابن تيمية رحمه الله في التدمرية نفاة القدر إلى ثلاثة أقسام، وجعل لكل قسم من هذه الأقسام اسماً لوجود المشابهة: فقال: قدرية مجوسية، وقدرية مشركية، وقدرية إبليسية.

فالقدرية المجوسية: هم المعتزلة، شابهوا المجوس في نسبة الخلق لغير الله سبحانه وتعالى، كما أن المجوس نسبوا للظلمة مخلوقات.

والقدرية المشركية هم الجبرية؛ لأن المشركين احتجوا بالقدر على الشرك وقالوا: (لو شاء الله ما عبدناهم).

والقدرية الإبليسية: هم الذين يعترضون بالقدر على دين الله عز وجل وشرعه، وهم الزنادقة في الحقيقة، وسماهم ابن تيمية رحمه الله بذلك؛ لأن إبليس اعترض على الله عز وجل بالقدر أيضاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>