للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مسألة تكفير أصحاب المعاصي]

ومن مسائل الإيمان المهمة هو أن السلف لا يكفرون أصحاب المعاصي، والمعاصي عند السلف تنقسم إلى قسمين: معاصي هي كفر وشرك بالله، وهذه تخرج عن الملة.

ومعاصٍ ليست كفراً ولا شركاً بالله، مثل الزنا، وشرب الخمر، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات، وغيرها من الكبائر، فهذه لا تخرج عن الملة إلا إذا استحلها الإنسان، أي: إذا اعتقد أنها حلال.

والإنسان إذا اعتقد في معصية من المعاصي المنصوص عليها في الكتاب والسنة أنها حلال يكون كافراً؛ لأن الاستحلال نقض لأساس الإيمان الذي في القلب، فالعاصي عند أهل السنة، إذا ارتكب معصيةً ننظر في هذه المعصية، فإن كانت شركاً ننظر، هل هي شرك أكبر أم أصغر؟ فإن كان أكبر فإنه يخرج من الملة، وإن كان أصغر فإنه لا يخرج من الملة.

فإن قيل: كيف يمكن أن نميز بين الشرك الذي يخرج من الملة، والشرك الذي لا يخرج من الملة؟

الجواب

بالأدلة الشرعية.

وأما بقية الذنوب والمعاصي فإنها لا تخرج من الملة، يقول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:٤٨]، فقسم المعاصي إلى قسمين: شرك لا يغفره الله، وما دون ذلك يغفره الله عز وجل لمن يشاء، فمن أبرز الذنوب والمعاصي قتل المؤمن متعمداً، والله عز وجل يقول: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء:٩٣]، ومع ذلك فإن هناك نصوصاً شرعية أخرى تبين أن قاتل النفس ليس بكافر، منها قول الله عز وجل: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:١٧٨]، فقوله: ((فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ)) فيه دليل على أن القاتل العمد ليس بكافر ولا خارج عن الإسلام، ويؤخذ ذلك من أمرين: الأمر الأول: هو جواز أخذ الدية والعفو عنه، فجواز أخذ الدية يدل على أن هذا القاتل ليس بكافر؛ لأنه لو كان كافراً لما جاز أخذ الدية، بل يجب أن يقتل؛ لأنه كافر.

والأمر الثاني: قوله: ((مِنْ أَخِيهِ))، فجعل القاتل أخاً للمقتول، ولو أن المفاصلة في الدين لما سماه أخاً؛ ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة)، فبين أن النفس بالنفس غير التارك لدينه المفارق للجماعة.

فأصحاب المعاصي عند أهل السنة لا يكفرون إلا إذا استحلوا هذه المعاصي، ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي ذر المشهور، قال: (قال: وإن زنى وإن سرق رغم أنف أبي ذر).

هذا يدل على أن هذا الإنسان ليس بكافر بل هو مسلم، وهو الذي يسميه أهل السنة الفاسق الملي، يعني: الفاسق الذي خرج عن مستوى الإيمان العالي بفسقه، لكنه ما زال مسلماً من أهل الملة، يسمونه الفاسق الملي.

أما المكفرات ونواقض الإيمان فقد تحدث عنها أهل العلم، وهي التي تكون من المعاصي، لكن صاحبها يكون كافراً، مثل عبادة غير الله سبحانه وتعالى، وتكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم، والطعن في نبوته، وسب الله أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم وسب الدين، ومثل السحر إذا كان فيه عبادة لغير الله، ومثل تكفير كل الصحابة بدون استثناء، أو استثناء عدد محدود مثلما يفعل الشيعة، ومثل تحكيم القوانين الوضعية.

<<  <  ج: ص:  >  >>