للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أزمة التوفيق بين العقل والنقل في الماضي والحاضر]

لا يجوز للإنسان أن يتكلم في دين الله عز وجل بغير علم.

وهكذا الحال اليوم؛ حيث نجد كثيراً من المشتغلين بالصحف أو التقارير الإخبارية أو غيرها يتكلمون في قضايا عميقة تتعلق بالموقف من المخالف أو كما يسمونه الرأي الآخر، ويقررون وكأنهم من كبار علماء المسلمين، ولهذا يقعون في زلات عظيمة وكبيرة بسبب الجهل.

وهذا لا يعني أن الإنسان لا يتكلم فيما يتعلق بعمومات الإسلام، لكن يجب أن يتكلم بعلم، وإذا لم يكن عنده معلومات تتعلق بهذا الأمر يحيله إلى عالمه ولا يتكلم بغير علم.

فما زالت مشكلة التعارض بين العقل والنقل إلى زماننا المعاصر، بل إنها في الزمان المعاصر زادت بشكل أكبر، لأن العالم الغربي اليوم هو المتفوق سياسياً واقتصادياً وثقافياً وفكرياً، والعالم الإسلامي ضعيف بشكل كبير.

والعالم الغربي له قصة مع الدين، وقصته يمكن تلخيصها بأنه حطم الدين؛ لأنه يعتقد أن الدين خرافة، وأن العقل هو مصدر كل خير، ولهذا جعلوا تضارباً بين الدين والعلم، أي: العقل.

والسبب أنهم ظنوا أن كل الأديان -بما فيها دين الإسلام الذي لم يعرفوه في الحقيقة- معارضة للعقول، ولهذا لا بد أن ترد، ولهذا عندما يعرفون الأديان عموماً يقولون: الإيمان أن تؤمن وتصدق وتجزم بدون برهان يقيني وعقلي يدل على صدق ما تؤمن به، ولهذا يحشرون في الأديان كل الأديان الخرافية والأديان الوضعية كما يسمونها، والأديان التي تأتي من عند الله، كل هذه الأديان يرونها من جنس واحد، وهي أن تؤمن بدون برهان ولا دليل، وإنما لمجرد الخبر، أخبرك فلان بشيء فآمنت به، ولو كان هذا الخبر غير صحيح في نفسه.

فأصبحت أزمة العقل والنقل الآن في العصر الحديث أكبر بكثير مما كانت في العصر القديم، وأصبح الدعاة اليوم يواجهون تيارين خطيرين: التيار الأول: تيار تراثي كما يسمونه، وهو الذي يوجد في الكتب القديمة والتي ما زالت تطبع إلى الآن، ويوجد لها معاهد ومراكز ومعاقل للعلم تدرس هذه الكتب التراثية، وهي كتب المعتزلة والأشاعرة وغيرها من الكتب التي تقرر التعارض بين العقل والنقل وتقدم العقل على النقل.

التيار الثاني: التيار التغريبي الذي يتمثل في المذاهب الفكرية المعاصرة التي تبناها عدد كبير من الأحزاب والمؤسسات والأشخاص الذين تأثروا بهذه الأحزاب، سواء كانت العلمانية أو الحداثة أو الديمقراطية أو الفكر الغربي عموماً بكل أطيافه وألوانه.

فصاروا يتأثرون به، ومن ضمن ما يتأثرون به المنهج العقلي المعاصر الذي يفترض أن الدين إيمان بدون دليل، وأن العلم هو الاستدلال العقلي، وأنه هو اليقيني وحده دون غيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>