للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح باب الغيبيات من العقيدة الواسطية]

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: [ومن الإيمان باليوم الآخر، الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت].

نلاحظ أن الغيبيات التي تحدث عنها ابن تيمية هي الغيبيات المتعلقة باليوم الآخر، بينما أشار ابن قدامة رحمه الله إلى أشراط الساعة التي تكون قبل يوم القيامة، وهذا يعتبر أوسع من كلام ابن تيمية.

قوله: [فيؤمنون بفتنة القبر وبعذاب القبر ونعيمه].

فتنة القبر وعذاب القبر ونعيمه تكون قبل يوم القيامة، لكنها ألحقت بموضوع اليوم الآخر باعتبار أن ما بعد الموت من اليوم الآخر، وإلا فهي تعتبر من البرزخ، والبرزخ هو الحياة التي تكون بين حياتين يعني: بين الدنيا والآخرة.

قوله: [فأما الفتنة فإن الناس يمتحنون في قبورهم، فيقال للرجل: من ربك، وما دينك، وما نبيك].

ليس المقصود هنا أن المرأة لا تمتحن، وإنما المقصود عموم الناس، وإلا فإن المرأة تمتحن أيضاً كما يمتحن الرجل.

قال رحمه الله: [فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فيقول المؤمن: ربي الله، والإسلام ديني، ومحمد صلى الله عليه وسلم نبيي، وأما المرتاب فيقول: هاه هاه، لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته، فيضرب بمرزبة من حديد فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعها الإنسان لصعق].

هذا ورد في حديث البراء بن عازب وهو حديث طويل في وصف الاحتضار وعذاب القبر ونعيمه.

قال رحمه الله: [ثم بعد هذه الفتنة إما نعيم وإما عذاب إلى أن تقوم القيامة الكبرى، فتعاد الأرواح إلى الأجساد، وتقوم القيامة التي أخبر الله بها في كتابه وعلى لسان رسوله، وأجمع عليها المسلمون، فيقوم الناس من قبورهم لرب العالمين حفاة عراة غرلاً، وتدنو منهم الشمس ويلجمهم العرق فتنصب الموازين فتوزن بها أعمال العباد {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} [المؤمنون:١٠٢ - ١٠٣].

وتنشر الدواوين وهي صحائف الأعمال، فآخذ كتابه بيمينه وآخذ كتابه بشماله أو من وراء ظهره، كما قال سبحانه وتعالى: {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء:١٣ - ١٤]، ويحاسب الله الخلائق، ويخلو بعبده المؤمن فيقرره بذنوبه كما وصف ذلك في الكتاب والسنة.

وأما الكفار فلا يحاسبون محاسبة من توزن حسناته وسيئاته فإنه لا حسنات لهم، ولكن تعد أعمالهم فتحصى، فيوقفون عليها ويقررون بها].

سبق أن أشرنا إلى أن الكفار ليس لهم ميزان، لأنهم لا حسنات لهم، فإن الكفر يقتل كل حسنة.

قال: [وفي عرصات القيامة الحوض المورود للنبي صلى الله عليه وسلم، ماؤه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، آنيته عدد نجوم السماء، طوله شهر، وعرضه شهر، من يشرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبداً].

أما من يصرف عن الحوض فهم الكفار وأهل البدع، ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يقدم علي قوم فأعرفهم فيذادون عني فأقول: أصيحابي أصيحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك) ومعنى أحدثوا: ابتدعوا، ولهذا يذكر أهل العلم هذا الحديث في باب ذم البدع وخطورة البدعة على صاحبها.

وقوله: (أصيحابي أصيحابي) ليس المقصود بأنهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فليس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مبتدع أبداً، وإنما المقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم يعرفهم، حيث يمكن للنبي صلى الله عليه وسلم أن يميز بين أمته وغيرها من الأمم، فيميز أمته الذين ولدوا بعده بالغرة والتحجيل، ومع أنهم غر محجلون إلا أنهم يذادون عن الحوض فلا يشربون منه.

قال رحمه الله: [والصراط منصوب على متن جهنم، وهو الجسر الذي بين الجنة والنار يمر الناس على قدر أعمالهم، فمنهم من يمر كلمح البصر، ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كالفرس الجواد، ومنهم من يمر كركاب الإبل، ومنهم من يعدو عدواً، ومنهم من يمشي مشياً، ومنهم من يزحف زحفاً، ومنهم من يخطف خطفاً ويلقى في جهنم، فإن الجسر عليه كلاليب تخطف الناس بأعمالهم].

وقد سبق أن أشرنا إلى أنها تشبه شوك السعدان الملتوي.

قال رحمه الله: [فمن مر على الصراط دخل الجنة، فإذا عبروا عليه وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتص لبعضهم من بعض، فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة].

هذا يعتبر زيادة عما في كتاب لمعة الاعتقاد، وهي إثبات القنطرة التي بين الجنة والنار، وهي ثابتة في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال رحمه الله: [وأول من يستفتح باب الجنة محمد صلى الله عليه وسلم، وأول من يدخل الجنة من الأمم أ

<<  <  ج: ص:  >  >>