للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[موقف أهل السنة من الفتن التي وقعت بين الصحابة]

وهنا نحب أن نشير إلى مسألة مهمة: وهي أن ما شجر بين الصحابة رضوان الله عليهم، وما وقعوا فيه من الفتنة المشهورة، يجب على الإنسان فيه عدة أمور: الأمر الأول: عدم الخوض فيها، وترك ما شجر بين الصحابة.

وهذا هو الذي اتفق عليه علماء أهل السنة والجماعة، لأن قراءة ما شجر بين الصحابة رضوان الله عليهم قد تدعو الإنسان إلى أن يقع في عرض أحد الصحابة رضوان الله عليهم، وإذا كانت غيبة الناس محرمة، فغيبة هؤلاء أشد.

الأمر الثاني: اعتقاد أن الصحابة رضوان الله عليهم كلهم فضلاء حتى الذين وقعوا في الفتنة، وإن كان بعضهم أفضل من بعض، فعندما حصلت الفتنة فأفضل الناس في تلك الفترة هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومعاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهم جميعاً هم من فضلاء الصحابة، لكن علي بن أبي طالب أفضل منهم؛ لأن معاوية وعمرو بن العاص أسلما بعد صلح الحديبية؛ بينما علي بن أبي طالب من السابقين الأولين في الإسلام.

وأصح موقف من المواقف فيما يتعلق بالفتنة هو موقف الذين أمسكوا عن الفتنة؛ فالناس انقسموا إلى ثلاثة أقسام: أهل العراق مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكان معهم عبد الله بن عباس رضي الله عنه، وعمار بن ياسر، وعدد من الصحابة.

وأهل الشام، وكان على رأسهم معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وعمرو بن العاص رضي الله عنه وعدد من الصحابة.

وطائفة أخرى أمسكت عن الفتنة، وكان من هؤلاء الممسكين سعد بن أبي وقاص، ولهذا تمنى علي بن أبي طالب أن يكون وقف موقف سعد بن أبي وقاص؛ لأن سعد بن أبي وقاص استدل بأحاديث كثيرة أخبر فيها صلى الله عليه وسلم عن وقوع الفتن بين المسلمين، وأن الواجب هو الإمساك عن هذه الفتن؛ يعني: عندما تقع فتنة بين المسلمين، بحيث يقتل المسلم أخاه فإنه يجب على الإنسان أن يعتزل هذه الفتن، وأن لا يدخل مع أي طرف من الأطراف، مع أنه عند التحقيق فإن أصوب الطائفتين طائفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ لأنه أولاً هو الخليفة، وثانياً: أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما ذكر عمار بن ياسر قال: (تقتله الفئة الباغية) يعني: الفئة التي تعتدي، والأمر الثالث: أن علي بن أبي طالب ومن كان معه هم أفضل في الجملة من أهل الشام، لكن ينبغي أن ندرك أن ما حصل من الفتنة لا يخلو من حالتين: أن يكون اجتهاداً، أو أن يكون زلة ومعصية.

فإذا كان اجتهاداً! فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن المصيب من المجتهدين له أجران، والمخطئ له أجر، فكيف يعنَّف ويسبّ ويشتم من كان له أجر! هذا ظلم وعدوان.

الأمر الثاني: أن نقول: إن بعضهم ارتكب معصيةً واعتدى وبغى وظلم، وهذه المعصية التي فعلها هذا الصحابي الجليل تذوب وتضيع في فضائل حسناته، كما قال الذهبي رحمه الله عمَّا وقع بين الصحابة من الفتنة: إن الماء إذا بلغ قلتين لا يحمل الخبث.

عندما تأتي لبحر من الفضل، ثم تلقي فيه كأساً من القاذورات، هل يتكدّر هذا البحر الكبير بسبب هذا الكاس؟ بل يضيع الكأس مع هذا البحر، ولهذا فإن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه مع أن مجموعته أخطأت، فهم ما بين مجتهد له أجر، وما بين مخطئٍ تضيع زلته في حسناته، إلا أن معاوية رضي الله عنه يكفيه من الفضل فضل الصحبة ومكانتها، وكونه كان كاتباً لوحي النبي صلى الله عليه وسلم، وعندما حكم عشرين سنة لم يحصل في عهده إلا جرائم محدودة أقيم فيها الحد الشرعي، يعني: كان معاوية رضي الله عنه مثالاً ظاهراً للعدل وللخوف من الله عز وجل، ولو تقرءون سيرة معاوية رضي الله عنه، عندما يأتيه بعض الصحابة يعظه، يبكي حتى يسقط من على كرسيه الذي هو عليه خوفاً من الله سبحانه وتعالى.

ولهذا ينبغي أن ندرك هذا الموقف من أحداث الفتنة، وأن لا يشغل الإنسان نفسه فيما شجر بين الصحابة؛ لأن كثيراً من هذه المرويات رواها الشيعة الروافض، وهم من أكذب الناس، مثل: أبي مخنف لوط بن يحيى، وقد ألف كتاباً سماه صفِّين والجمل، ملأه وحشاه بكثير من الكذب، ولهذا يجب على الإنسان أن يكون محترزاً فيما يتعلق بهذه المسائل.

قال: [ونشهد للعشرة بالجنة كما شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وسعد في الجنة، وسعيد في الجنة)].

يعني: سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد.

قال:

<<  <  ج: ص:  >  >>