للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ذكر ما جاء في السلوك]

وباب السلوك أيضاً من الأبواب المتعلقة بالعقيدة من جهة شمول العقيدة؛ لأن كثيراً من الناس يتصور أن العقيدة خاصة بالأبواب النظرية المشهورة، مثل باب الصفات وباب القدر وباب الإيمان وباب الصحابة وغيرها، والحقيقة أن العقيدة شاملة لكل مناهج الحياة، فلأهل السنة والجماعة منهج مستقل في الدعوة والإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقيادة الأمة وتوجيهها، وإصلاح المجتمعات وسياستها، وأيضاً السلوك إلى الله سبحانه وتعالى.

يقول: [ثم هم -يعني أهل السنة والجماعة- يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر]؛ وهذه من أخص أوصافهم: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران:١١٠].

قال: [على ما توجبه الشريعة]: لأن هناك طائفة أخذت هذا الاسم الشرعي العظيم (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) ووظفته توظيفاً فاسداً، وهم الخوارج والمعتزلة كما سبق أن أشرنا إليه.

قال رحمه الله: [ويرون إقامة الحد والجهاد والجمع والأعياد مع الأمراء أبراراً كانوا أو فجاراً، ويحافظون على الجماعات]: وهذا مما يميزهم، فكثير من الناس اليوم يتركون الصلاة خلف أئمة المسلمين، يعني: لا يصلون مع المسلمين في المساجد، ويتوقفون في إيمانه، وقد يتركون الصلاة خلف أئمة الحرم مثلاً، لأنهم يتوقفون في إسلام هؤلاء، ويقولون: لا بد أن يكفر بالطاغوت، وإذا أردت أن تعرف ما هو الكفر بالطاغوت حسب فهمه؟ يحددها حتى يصل إلى درجة أن يكفر حاكماً باسمه، فإذا كفر هذا الحاكم باسمه فإنه يكون كافراً بالطاغوت، وإذا لم يكفره باسمه فإنه لا يصير مسلماً أصلاً.

فيكفرون الناس بهذه الطريقة، ويتركون الحج والجهاد والجمع والأعياد، ولهذا كثير من الناس نمت عندهم أخلاق الخوارج، فتجد أنه يرى أن كثيراً من حكومات العالم اليوم وأنظمته على خلاف الإسلام، ولكن عندما يتعامل مع هذه الأوضاع الصعبة والمخالفة لحقيقة الإسلام، بالذات في المجتمعات التي ينتشر فيها التغريب بشكل غريب، مثل المغرب الإسلامي، وشمال أفريقيا وبعض دول الخليج وغيرها، والهند وباكستان وبقية بلاد المسلمين وشرق آسيا، هذه البلاد الإسلامية عمها التغريب بشكل كبير جداً، إلى درجة أن المسلم أصبح ينظر إلى نفسه وينظر إلى مجتمعه على أنه غريب فيه، وفعلاً أصبح المسلم يشعر بالغربة، لكن كثيراً من الناس عنده غلو في هذه القضية، فتجد أنه يبالغ إلى درجة أنه ينعزل عن المجتمع فيترك الصلاة مع المسلمين، ويترك إقامة الجماعة والجمعات معهم، ويترك إقامة الأعياد معهم، بحجة أن هذه الحكومات أصبحت حكومات كافرة، والصحيح أنه حتى وإن كانت هذه الحكومات كافرة فهذا لا يعني أن يترك الجمع والجماعات والأعياد.

يعني: الآن يحكم العراق أمريكا، وأمريكا حكومة كافرة، فهل يترك الناس صلاة الجمعة لأن أمريكا استولت على البلاد؟ هل يتركون صلاة العيد؟ هل يتركون شعائر الإسلام؟ لا يتركونها، فلو كفرت حكومة من الحكومات، أو استولت عليها دولة من دول الكفر مثل حالة العراق، فإن هذه القضايا مثل إقامة الحج وإقامة الجهاد والجمع والأعياد لا تخضع لحكومة محددة ومعينة، وإن كان الأولى أن يقوم بشعائر الإسلام أئمة المسلمين وحكامهم، حتى تنتظم أمور المسلمين، حتى وإن كان هذا الحاكم فاجراً ظالماً كما سبق أن أشرنا.

قال رحمه الله: [أبراراً كانوا أو فجاراً، ويحافظون على الجماعات، ويدينون بالنصيحة للأمة] الأمة يدخل فيها الرجال والنساء، وينصحون لهم، ويدخل فيها الحكام فينصحون للحكام، ويأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر، ويدخل فيها العلماء، ويدخل فيها عامة المسلمين.

قال رحمه الله: [ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً.

وشبك بين أصابعه)].

وهذا مفهوم عظيم، وهو مفهوم الأمة الواحدة والجماعة الواحدة، فالمسلمون لا تفرقهم أسماء الدول أو الحدود التي حصلت عند المتأخرين، فهذه الحدود تتغير من زمن إلى زمن، ولهذا نسمع في هذه الأيام أن الدولة الظالمة الجائرة أمريكا تريد تغيير الخريطة، فهذا يدل على أن الخرائط يمكن أن تتبدل وأن تتغير مع الزمن واستيلاء دولة على دولة، والأسماء تتغير، فقد كان زمان الدولة العباسية، ثم دولة المماليك، ثم صارت الدولة العثمانية، والآن صارت أوزاعاً، فهذه الأسماء لا تفرق بين المسلمين، فإن المسلمين إخوة ويد واحدة، كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً.

وقوله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر).

قال: [ويأمرون بالصبر عند البلاء]: وهذا من أعظم الأخلاق.

قال: [والشكر عند الرخاء والرضا بمر القضاء]: ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (عجباً لأمر المؤمن؛ إن أمره كله

<<  <  ج: ص:  >  >>