للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إخلاص النية لله في طلب العلم]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وعليه فإن شرط العبادة الأول: إخلاص النية لله سبحانه وتعالى، لقوله: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة:٥] الآية، وفي الحديث الفرد المشهور عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الأعمال بالنيات) الحديث.

فإن فقد العلم إخلاص النية انتقل من أفضل الطاعات إلى أحط المخالفات، ولا شيء يحطم العلم مثل الرياء، رياء شرك أو رياء إخلاص، ومثل التسميع بأن يقول مسمعاً: علمت وحفظت].

هذه القضايا قضايا دقيقة جداً وحساسة، وينبغي للإنسان أن يتعامل معها بحساسيتها الموجودة؛ لأنه إذا جمعنا فضائل العلم سنجد أنها قوائم متعددة وكثيرة، لكن في نفس الوقت إذا جمعنا آثار تعلم العلم لغير الله سنجد أنها قوائم كثيرة أيضاً، فأفضل الناس هم أهل العلم، وأول من تسعر بهم الناس يوم القيامة ثلاثة: منهم رجل طلب العلم لغير الله عز وجل، فقارنوا بين هذا وبين هذا، الجميع عمل في مهنة واحدة وفي عمل واحد لكن الأول اشتغل بالعلم من أجل الله سبحانه وتعالى والدار الآخرة، ولهذا تضع له الملائكة أجنحتها وهو يسلك طريقاً إلى الجنة إلى آخر الفضائل المعروفة في طلب العلم.

أما الآخر فهو أول من تسعر به النار والعياذ بالله، ويكون من حطب جهنم وحصبه، ولهذا ينبغي للإنسان أن يعتني بالنية غاية الاعتناء، ولهذا قال العلماء: إن الإخلاص من أصعب وأشق العبادات، وقد قال الشيخ هنا: (ولا شيء يحطم العلم مثل الرياء رياء الشرك أو رياء إخلاص) فرياء الشرك هو أن يطلب العلم من أجل أن يمدح ويثنى عليه بشكل صريح وواضح، ورياء الإخلاص هو التظاهر بالإخلاص لكن لغير الله سبحانه وتعالى حتى يقال: مخلص، وهنا تكون المشكلة، فينبغي للإنسان أن يجتهد في تصحيح نيته وتصفيتها قدر ما يستطيع.

أما التسميع فهو أن يقول مسمعاً: علمت وحفظت، يعني: عندي علم قدره كذا وحفظ قدره كذا، يحاول أن يظهر علمه للناس.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وعليه فالتزم التخلص من كل ما يشوب نيتك في صدق الطلب؛ كحب الظهور، والتفوق على الأقران، وجعله سلماً لأغراض وأعراض، من جاه، أو مال، أو تعظيم، أو سمعة، أو طلب محمدة، أو صرف وجوه الناس إليك، فإن هذه وأمثالها إذا شابت النية أفسدتها، وذهبت بركة العلم، ولهذا يتعين عليك أن تحمي نيتك من شوب الإرادة لغير الله تعالى، بل وتحمي الحمى].

هناك علامات مميزة للعالم الرباني عن عالم السوء، لكن كيف يمكن للإنسان أن يميز بين العالم الرباني والعالم السوء؟ وكيف يمكن لنا حتى ولو كنا من العوام أن نميز بين الاثنين؟ لأن كثيراً من الناس يقول: إن محاولة التفريق بين العالم الرباني وعالم السوء أن هذا يوقع الناس في حرج، فالناس قد ترى الرجل يتكلم ويحسن الكلام، ويكون كلامه رائعاً وممتازاً ومؤثراً ثم يأتي أشخاص فيقولون: إن هذا الإنسان مثلاً من علماء السوء، وهذا يجعل الأمة تتخبط، والحقيقة أنه لا داعي للتخبط، فإن الفرق بين العالم الرباني وعالم السوء مثل الفرق بين الطائع والمخلص، والمؤمن وبين الفاسق والمنافق والضال، فهذا له علامات يعرف بها، وذاك أيضاً له علامات يعرف بها، فمن هذه العلامات إخلاص النية لله سبحانه وتعالى.

قد يقول قائل: النية عمل قلبي كيف يمكن لنا أن نميز بين إنسان مخلص لله سبحانه وتعالى، وإنسان غير مخلص لله تعالى؟ فنقول: نحن لم يطلب منا أن نفتش عما في قلوب الناس، بل إنه لا يجوز للإنسان أن يحكم على نية أحد من الناس هكذا دون بينة، لكن مع هذا هناك قرائن تدل على أن هذا الإنسان صادق أو ليس بصادق كما قال الله عز وجل عن المنافقين: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد:٣٠]، فجعل لحن القول من الإشارات والقرائن والدلائل التي تظهر من خلال كلماتهم، وقد تكون كلمات نادرة وقليلة تفصح عن حقيقة هذا الإنسان، والمتكلم بشكل دقيق، لكن لا يصح للإنسان أن يتهم الناس لظنه أن هذا من لحن القول، فهذه مسألة حساسة ينبغي للإنسان أن يكون فيها دقيقاً، وهو أمر دقيق جداً قد يخوض الإنسان فيه بالباطل، فينبغي للإنسان أن يكون دقيقاً بعيداً عن القدح في الناس، لكن هذا لا يعني ألا نميز بين الإنسان الذي يتكلم بحق وبعدل، وسيرته وطريقته تدل على ذلك، وبين الآخر المختلف عنه في ذلك كله.

<<  <  ج: ص:  >  >>