للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[اتباع الكتاب والسنة بين الالتزام والادعاء]

من القضايا التي نحتاج أن نجليها وأن نوضحها خصوصاً في هذا الوقت الذي نعيشه الآن هي، أن اتباع الكتاب والسنة أصبح شعاراً عاماً تدعيه طوائف متعددة من الناس مختلفة في الآراء والمناهج والأفكار، وأصبحت كلمة اتباع الكتاب والسنة شعاراً غير مميز لكثير من الطوائف بعضها عن بعض، ولهذا لابد أن ندخل أكثر في العمق لنميز منهاج السلف الصالح ومنهاج أهل السنة والجماعة في تعاملهم مع الكتاب والسنة.

هناك الكثير من الزنادقة الذين يريدون إفساد الدين بعقائد باطلة هم لا يعتقدونها، لكن لهم هدف من وراء نشر هذه العقائد بين الناس من أجل إضلال الخلق ومن أجل إفساد عقائد الناس، سواء كانت أهدافهم سياسية أو اجتماعية، وكان أكبر من مثل هذا الاتجاه هم اليهود الذين يريدون إفساد عقائد الناس من أجل أن تبقى لهم السيطرة والمكانة، هذا على المستوى العام، وهناك زنادقة اضطروا إلى إخفاء الكفر وإعلان الإسلام من أجل انتشار منهاج المسلمين، ومن أجل الخوف على أنفسهم من القتل، فكانت ظاهرة الزندقة، ومجال الحديث هنا ليس عن ظاهرة الزندقة وكيفية نشأتها وتطورها، لكن الذي يهمنا هو أن هناك من الزنادقة ومن المستشرقين ومن الذين لديهم قراءات في كتب المسلمين أصبحوا يأتون بالعقائد الضالة والمناهج الفاسدة ويستدلون عليها بالكتاب والسنة، مثلاً الشيعة الذين يسبون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تجدهم يحاولون أن يجمعوا بعض الشواهد من القرآن ومن السنة، ومن السير والأخبار ومن غيرها حتى يظهروا بصفة الأشخاص الذين لديهم حجة وبيان، وفي كتاب (كشف الشبهات) بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله خاصية معينة في الشبهات التي تنشر، وهي أن أصحاب الشبهات لا يتكلمون اعتباطاً، وإنما يتكلمون بعلم، لكنه علم فاسد مضلل، ليس علماً يقينياً وصحيحاً، والمشكلة أن هؤلاء يؤثرون على عقائد العامة وعلى عقائد أنصاف المثقفين، فتجد بعض الأحيان كتاباً مليئاً بالأدلة وبأقوال العلماء وبنصوص الفقهاء، حتى إن هذه السمة صارت منتشرة، فتجد أحدهم يبدأ بجمع بعض أقوال العلماء ويأخذ النص فيبتره ويتأوله، ثم يأتي إلى عالم من العلماء نقل مذاهب شاذة مثلاً ثم رد عليها، فينقل هذه المذاهب ويترك الرد عليها، ومعروف أن أي أمة من الأمم لديها أشخاص عندهم آراء شاذة وآراء غير صحيحة، فهذا يحرم على النساء الحجاب، وذاك يحرم صيام الست من شوال بشكل مستمر قائلاً: أخشى أن تتحول إلى بدعة، فمن حرصه على السنة حرم على الناس أن يصوموا الست من شوال، زاعماً أنها قد تتحول إلى بدعة يعتادها الناس، وتصبح كأنها في حكم الواجب، ثم يبدأ بنقل نصوص كثيرة من هنا وهناك يجمعها عن طريق بتر النصوص والتلاعب بها.

فالشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله يقول: إن هؤلاء يتكلمون بنصوص سواء قرآنية أو نبوية أو أقوالاً لأهل العلم يخدعون بها العوام ويضللونهم، ويضللون الأشخاص غير المتخصصين، كأحدهم أفنى عمره كله في الطب لا يعلم شيئاً من الأحكام الشرعية فمستواه ضحل وضعيف جداً، فعندما يقرأ مثل هذا يقول: يا أخي! انظر إنه ينقل كلام العلماء، مع العلم أن هذا الطبيب أو المتخصص في أي تخصص من التخصصات الأخرى أو العامي الجاهل، لن يتوقع منه أنه سيرجع إلى هذه الكتب لأنه قد لا يعرفها، وقد لا يدري ما هي، لكنه يبهر بكثرة المراجع، وكثرة أرقام الصفحات والمجلدات، وكثرة النقول التي ينقلها، وكثرة الآيات والأحاديث التي يوردها، وبهذه الطريقة يضللون الخلق.

<<  <  ج: ص:  >  >>