للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[النوع الأول: إنكار شيء منها أو مما دلت عليه من الصفات]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الأول: أن ينكر شيئاً منها]، يعني: أن ينكر شيئاً من أسماء الله سبحانه وتعالى، [أو مما دلت عليه من الصفات والأحكام، كما فعل أهل التعطيل من الجهمية وغيرهم] وهذا نوع من الإلحاد.

ثم بين الشيخ وجه كون ذلك من الإلحاد، فقال: وإنما كان ذلك إلحاداً لوجوب الإيمان بها، وبما دلت عليه من الأحكام والصفات اللائقة بالله، فإنكار شيء من ذلك ميل بها عما يجب فيها]، يعني: عدول عن الحق إلى القول الباطل.

والأنواع التي سنذكرها في الإلحاد بأسمائه تعالى مأخوذة من أقوال المفسرين، فالمفسرين لهم أقوال مختلفة في تفسير الإلحاد في أسمائه تعالى.

وهذا الاختلاف الموجود في تفسير الإلحاد في أسمائه تعالى في الآية هو اختلاف تنوع وليس اختلاف تضاد، ومن هنا فكل الأنواع التي ذكرها المفسرون تعتبر نوعاً من أنواع الإلحاد، وهذه طريقة من طرق التفسير التي كانت عند السلف رضوان الله عليهم، وهي أنهم قد يفسرون المعنى العام بفرد من أفراده، أو بمثال من الأمثلة فيه ونحو ذلك، وهي طريقة مشهورة عندهم، والذي يقرأ مثلاً القرآن يجد أن كثيراً من الألفاظ العامة يفسرها السلف بنوع من الأنواع، ولا يقصدون بذلك الحصر، وإنما يقصدون أن هذا النوع هو أعلى من حيث كذا، أو أنه مجرد نوع من الأنواع.

وإنكار شيء من أسماء الله سبحانه وتعالى أو ما دلت عليه من الصفات هي طريقة المعطلة، والمعطلة هم النفاة، كما سبق أن بينا، وهم أربعة طوائف: الطائفة الأولى: الجهمية.

الطائفة الثانية: المعتزلة.

الطائفة الثالثة: الأشاعرة.

الطائفة الرابعة: الماتريدية.

وقد سبق أن ذكرنا شيئاً عن هذه الطوائف، لكن يمكن أن نذكر باختصار عقائد هذه الطوائف في باب أسماء الله وصفاته.

فأما الجهمية: فهم أتباع الجهم بن صفوان -وقد انقرضوا- وهم ينكرون أسماء الله سبحانه وتعالى وصفاته بشكل عام، ولهذا كفرهم السلف الصالح رضوان الله عليهم، يقول عبد الله بن المبارك: إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى ولا نحكي كلام الجهمية.

وفي لفظ له آخر: الجهمية ليسوا من الفرق الواردة في الحديث، يعني: حديث الافتراق عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة)، هذه الفرق الواردة في الحديث هم مبتدعة؛ لكنهم مسلمون؛ لأنه قال: (ستفترق هذه الأمة) وجعلهم في مقابلة اليهود والنصارى، والمقصود بالافتراق افتراق عدد من أهل البدع عن جادة السنة، مع أنهم مسلمون، فإخراج ابن المبارك رحمه الله للجهمية من فرق المسلمين يدل على أنه يرى أنهم كفار.

وأما المعتزلة فإنهم كما سبق أن بينا يثبتون أسماء الله سبحانه وتعالى، ولكنهم يزعمون أنها أعلام محضة لا تتضمن شيئاً من الصفات، فهم ينكرون كل الصفات الثبوتية.

وأما الأشاعرة والماتريدية فإنهم يثتبون الأسماء، ويثبتون بعض الصفات، وينفون بعضها، يثبتون سبعاً من الصفات وينفون بقية الصفات، يثبتون الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام، وينفون سائر صفات الله سبحانه وتعالى التي سيأتي ذكر أنواعها مفصلة بإذن الله تعالى.

إذاً: إنكار أسماء الله الحسنى، أو إنكار ما تضمنته من الصفات، نوع من أنواع الإلحاد في أسماء الله تعالى، وهو داخل في قوله تعالى: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف:١٨٠]، ويدل على هذا تفسير ابن عباس رضي الله عنهما فإنه قال رضي الله عنهما في هذه الآية: الإلحاد التكذيب.

وقال قتادة: ((يلحدون في أسمائه)) يكذبون فيها، فهذا نوع من أنواع الإلحاد، وهو داخل في عموم الآية كما سبق.

<<  <  ج: ص:  >  >>