للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إثبات العرش والكرسي]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والعرش والكرسي حق].

فأما العرش فقد ورد في آيات كثيرة، منها قول الله عز وجل: {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} [البروج:١٥]، وقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف:٥٤]، وقوله: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} [غافر:٧]، وقوله: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة:١٧]، فهذه الأدلة كلها وغيرها تدل على أن لله سبحانه وتعالى عرشاً، وأما الكرسي فهو الثابت في آية الكرسي، عندما قال الله عز وجل: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ} [البقرة:٢٥٥]، فهو حق، لكن هنا مسألة: هل هناك فرق بين الكرسي والعرش؟ بعض أهل الكلام قالوا: إن الكرسي هو العرش، وهذا خطأ، فإن الكرسي هو موضع قدمي الرب سبحانه وتعالى؛ لما روى ابن أبي شيبة في صفة العرش عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: (الكرسي موضع قدمي الرب سبحانه وتعالى، والعرش لا يقدر قدره إلا الله) وإسناده حسن، وهذا من المرفوع حكماً؛ لأنه مما لا يدخله الاجتهاد في الرأي، وقد فسر بعض أهل الكلام الكرسي بأنه الملك، وهذا تأويل باطل، لقوله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة:١٧]، فهل معنى هذا أنهم يحملون ملك الله عز وجل؟ ويقول الله عز وجل: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود:٧] فهل كان ملكه على الماء؟ ولهذا لا يصح هذا التفسير للعرش، وإنما العرش هو: سرير الملك، وليس هو الملك، وهنا فرق بين السرير والملك نفسه.

والكرسي لم يرد إلا في آية واحدة وهي آية الكرسي المشهورة، وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت في فلاة من الأرض)، وهذا الحديث يدل على أن الكرسي غير العرش، وهو رد على من جعل الكرسي هو نفسه العرش، فيضاف إلى أثر ابن عباس السابق.

وقد أول بعض السلف الكرسي بأنه العلم، وهذا خطأ، وربما يقع من بعض أهل العلم خطأ في مسألة من المسائل وهذا الخطأ لا يكون بدعة؛ لأن أصوله العقائدية وآراءه العقائدية هي ما أجمع عليه السلف رضوان الله عليهم، والذي قال: إن الكرسي هو العلم، هو ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى، ولا يصح أن يقال: إنه العلم؛ لأن الله عز وجل يقول: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ} [البقرة:٢٥٥]، ولا يمكن أن يكون العلم وسع السماوات والأرض فقط، وحينئذ فالكرسي هو موضع قدمي الرب كما ثبت ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>