للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الإيمان قول وعمل واعتقاد]

أجمع أهل السنة والجماعة على أن الإيمان قول وعمل، وكونه قولاً وعملاً مما اتفق عليه أهل السنة ودل عليه القرآن الكريم والسنة النبوية.

فمن القرآن قول الله عز وجل: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة:١٤٣]، وقد نزلت هذه الآية للصحابة الذين كانوا يصلون في بداية الأمر إلى بيت المقدس، ثم أمرهم الله سبحانه وتعالى بالتوجه إلى البيت الحرام، فظن بعض الصحابة أن ما فات من صلاتهم إلى بيت المقدس غير مقبول، فأنزل الله عز وجل قوله وتعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة:١٤٣] والمقصود بقوله: (إيمانكم) صلاتكم، وهذا يدل على أن الصلاة إيمان، ويدل على أن العمل من الإيمان، وقد بوب البخاري رحمه الله في كتابه الصحيح في كتاب الإيمان: باب من قال: إن الإيمان هو العمل، وذكر فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور)، وهذا الحديث واضح الدلالة في تسمية الإيمان بالله ورسوله عملاً، فإن السؤال هو: أي العمل أفضل؟

و

الجواب

( إيمان بالله ورسوله) وهو ظاهر.

ومما يدل على أن العمل من الإيمان ما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الإيمان بضع وستون شعبة، فأعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) قال: (فأعلاها قول: لا إله إلا الله) وهذا قول اللسان، (وأدناها إماطة الأذى عن الطريق) وهذا من عمل الجوارح، ثم قال: (والحياء شعبة من الإيمان) والحياء عمل قلبي.

وكذلك دل على أن الإيمان يجمع القول والعمل الإجماع، فقد ذكر البخاري رحمه الله أنه لقي أكثر من ألف رجل من أهل العلم كلهم يقولون: إن الدين قول وعمل، واستدل على ذلك بقول الله سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة:٥]، فالعمل جزء أساسي من الإيمان، وقول السلف رحمهم الله تعالى: إن الإيمان قول وعمل، معناه: أن الإيمان مركب من القول والعمل، ومعنى القول: قول القلب وقول اللسان، فأما قول القلب فهو تصديقه بكل ما جاء عن الله سبحانه وتعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم من الإيمان بالله، والإيمان بالملائكة، والكتب، والرسل، والملائكة، والقدر، ونحو ذلك مما أخبر الله به سبحانه وتعالى أو أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم، فتصديق القلب يسمى قولاً، وبعض السلف مثل أبي عبيد القاسم بن سلام رحمه الله تعالى في كتابه (الإيمان) سماه عملاً، ولا مشاحة في الاصطلاح؛ فالمعنى واحد، المهم هو أن تصديق القلب داخل في الإيمان، وتصديق القلب لا نزاع فيه أبداً بين طوائف المسلمين، بل كل طوائف المسلمين من أهل السنة والمرجئة والخوارج وغيرهم يقولون: إن تصديق القلب من الإيمان، إلا الكرامية، فإن الكرامية لم تعتبر تصديق القلب من الإيمان، وإنما جعلت حقيقة الإيمان هو إقرار اللسان فقط، وهم نظروا إلى الإيمان الظاهر الذي يحكم به على الناس في الدنيا.

فتصديق القلب هو قول القلب، وأما قول اللسان فالمراد به: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، كما دل عليه حديث أبي هريرة رضي الله عنه الله، وكما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنه في وفد عبد القيس، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: (أتدرون ما الإيمان بالله؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: الإيمان: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة) إلى آخر الأركان المعروفة، إلا أنه قال: (وأن تؤدوا الخمس من المغنم).

فالإيمان يشمل كذلك قول اللسان، هذا بالنسبة للقول.

وأما بالنسبة للعمل فإن العمل المراد به عمل القلب وعمل الجوارح، فأما عمل القلب فهو يقين القلب وإخلاصه وخشوعه وانقياده وخضوعه واستسلامه ورجاؤه وخوفه ونحو ذلك من الأعمال التي يقوم بها القلب، وعمل الجوارح مثل: الصلاة، والصيام والجهاد في سبيل الله، والدعوة إلى الله ونحو ذلك من الأعمال التي تؤدى بالجوارح.

فالإيمان مركب من هذه جميعاً: مركب من تصديق القلب وقول اللسان وعمل القلب وعمل الجوارح، فهذه أركانه الأربعة الأساسية، وهذه الأركان الأربعة المهم فيها هو أن تعرف حقائقها: لأنه قد يعبر عنها بأكثر من تعبير، فمثلاً: بعض العلماء يقسم الإيمان إلى قسمين: ظاهر، وباطن، ويقصد بالظاهر: قول اللسان وعمل الجوارح، ويقصد بالباطن: تصديق القلب وعمل القلب، وبعضهم يقول: هو قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالأركان، وهي كلها

<<  <  ج: ص:  >  >>