للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عمل القلب ومنزلته من الإيمان]

بعد أن عرفنا أن الإيمان قول وعمل، وأنه مركب من القول ومن العمل نحب أن نأتي إلى عناصر الإيمان، ونذكر ما هو الأساس فيها الذي ترجع إليه جميع هذه العناصر.

سبق أن بينا أن عناصر الإيمان الأساسية هي: أولاً: تصديق القلب، وثانياً: قول اللسان، وثالثاً: عمل القلب، ورابعاً: عمل الجوارح، ويمكن أن نعرف الأساس من هذه الأربعة من خلال حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي ربط فيه بين ظاهر الإنسان وباطنه عندما قال صلى الله عليه وسلم: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب).

فالعنصر الأساسي من عناصر الإيمان المؤثر في بقية العناصر: هو عمل القلب، فعمل القلب هو الذي يدفع اللسان للنطق وهو الذي يدفع الجوارح للعمل، فأساس الإيمان هو عمل القلب، والبقية التي تأتي بعده هي ترجع إليه في الحقيقة، وإن كان هذا المركب جميعاً يسمى الإيمان وهو حقيقة واحدة كما سبق أن بيناه.

ولهذا لا يتصور أهل السنة والجماعة أن يكون إنسان مؤمناً في الباطن كافراً في الظاهر أبداً في حالة الاختيار، لا يتصور هذا؛ لأن العلاقة بين الباطن والظاهر علاقة تلازم وثيق؛ فقوله: (ألا وإن في الجسد مضغة) يعني: القلب، (إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)، ولا يمكن أن يوجد إنسان مؤمن في قلبه لكنه في ظاهره غير مؤمن إلا في حالة واحدة وهي حالة الإكراه، وحالة الإكراه حالة غير طبيعية، وليست هي الحالة الطبيعية في المجتمع وفي حالة الإنسان في وضعه الطبيعي، لكن يمكن أن يتصور إنسان يظهر العمل بالجوارح وهو كافر في الباطن، وهذه موجودة في صورة المنافق كما هو معروف، فإن المنافق يظهر الإسلام ويبطن الكفر في قلبه.

فأساس الإيمان هو عمل القلب؛ ولهذا ستلاحظون من خلال مناقشتنا للطوائف الضالة في هذه المسألة أننا نحاول أن نبين ما هو موقف هذه الطائفة من عمل القلب؟ فإذا عرفنا موقفها من عمل القلب نستطيع أن نحدد وجهتها وطريقتها ومنهجها.

<<  <  ج: ص:  >  >>