للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تكفير السلف لتارك العمل بالكلية]

ومما يوضح أن العمل ركن أساسي في الإيمان: أن السلف رضوان الله عليهم كفروا من ترك العمل، فالذي يترك العمل عند السلف كافر، فلو كان شرط كمال ما كان يترتب عليه كفر، لكن هذا يدل على أنه ركن أصلي في الإيمان، ولهذا إذا ترك يكفر.

قال سفيان بن عيينة عن الإرجاء: يقولون -يعني: المرجئة-: الإيمان قول، ونحن نقول: الإيمان قول وعمل.

والمرجئة أوجبوا الجنة لمن شهد أن لا إله إلا الله مصراً بقلبه على ترك الفرائض، وسموا ترك الفرائض ذنباً بمنزلة ركوب المحارم، وليسا بسواء؛ لأن ركوب المحارم من غير استحلال معصية، وترك الفرائض -يعني: جميعاً: فرائض القلب وفرائض الجوارح- تعمداً من غير جهل ولا عذر كفر، وبيان ذلك في أمر آدم صلوات الله عليه وإبليس وعلماء اليهود: أما آدم فنهاه الله عز وجل عن أكل الشجرة وحرمها عليه فأكل منها متعمداً ليكون ملكاً أو يكون من الخالدين، فسمي عاصياً من غير كفر.

وأما إبليس لعنه الله فإن الله فرض عليه سجدة واحدة فجحدها متعمداً، فسمي كافراً.

وأما علماء اليهود فعرفوا مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وأنه نبي رسول كما يعرفون أبناءهم وأقروا به باللسان ولم يتبعوا شريعته، فسماهم الله عز وجل كفاراً.

فركوب المحارم مثل ذنب آدم عليه السلام وغيره من الذنوب، وأما ترك الفرائض جحوداً فهو ككفر إبليس لعنه الله، وتركها على معرفة من غير جحود هو كفر مثل كفر علماء اليهود.

وهذا رواه عبد الله بن الإمام أحمد في (السنة) وإسناده صحيح.

ويقول الحميدي رحمه الله: أخبرت أن قوماً يقولون: إن من أقر بالصلاة والزكاة والصوم والحج ولم يفعل من ذلك شيئاً حتى يموت أو يصلي مسنداً ظهره مستدبر القبلة حتى يموت فهو مؤمن ما لم يكن جاحداً إذا علم أن تركه ذلك في إيمانه إذا كان يقر الفروض واستقبال القبلة.

يعني: ما دام أنه يقر أن الله أوجب عليه هذه الفروض حتى ولو لم يعملها، حتى ولو أسند ظهره للقبلة ولم يصل إليها وصلى إلى أي قبلة أخرى، فعندهم ليس بكافر ما دام أنه مقر بالفروض.

يقول: فقلت: هذا الكفر بالله الصراح، وخلاف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفعل المسلمين، قال الله عز وجل: {حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة:٥] رواه الخلال في (السنة).

وبهذا يتبين لنا أن العمل ركن أساسي في الإيمان يزول الإيمان بزواله وليس بشرط كمال كما يردد البعض، فإن القول بأنه شرط كمال قريب من قول المرجئة إن لم يكن هو حقيقة قول المرجئة، لكن نعلم أن مثل هؤلاء الذين قالوا بهذا القول لا يقصدون قول المرجئة ولا يعتقدونه، فإنهم يقولون: إن العمل داخل في الإيمان، ويقولون كذلك: إن الإيمان يزيد وينقص، وعندهم الطواف حول القبور والنذر لها والذبح لها شرك بالله رب العالمين.

وإنما أحببت أن أبين هذا القول والرد عليه؛ لانتشاره ورواجه عند بعض الدعاة وبعض المصلحين في هذا الوقت بالذات بسبب الخلاف في مسألة القوانين الوضعية هل هي كفر أو ليست بكفر؟ والحقيقة: أن مذهب أهل السنة في هذه القضية واضح، وهو: أن القوانين الوضعية كفر مخرج عن الإسلام؛ لأن ذلك تولٍ عن الالتزام بشريعة الله عز وجل وإعراض عن الشريعة وتبديل لأحكام الدين وتغيير لأحكام الشريعة، ولاشك أن صاحب الأمر في هذا هو الله عز وجل، ولا يصح لأحد أن يدعي أنه صاحب أمر في هذه القضية ويلزم الناس باتباعها، وكما ذكر الله عز وجل عن عامة اليهود أنهم اتخذوا علماءهم واتخذوا عبادهم أرباباً من دون الله بسبب طاعتهم في تحليل الحرام وتحريم الحلال.

أسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح.

<<  <  ج: ص:  >  >>