للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الإيمان بأن القرآن كلام الله غير مخلوق]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ونشهد أنه كلام رب العالمين].

يعني القرآن، وقد سبق أن القرآن كلام الله سبحانه وتعالى وأنه بحرف وصوت، وهذا الكلام منه القرآن، القرآن من كلام الله، وليس هو كلام الله، فإن كلام الله لا يمكن أن يحصى، ولا يمكن أن يحد، فكلامه سبحانه وتعالى يتكلم متى شاء وكيف شاء وهي من صفاته الفعلية وقد سبق الحديث عن موضوع الكلام مفصلاً.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [نزل به الروح الأمين].

يعني: جبريل عليه السلام.

قال رحمه الله: [فعلمه سيد المرسلين محمداً صلى الله عليه وسلم].

وهذا فيه الرد على عقيدة الأشاعرة في موضوع الكلام، فإن مما انتشر عند الناس أن الأشاعرة يثبتون صفة الكلام لله عز وجل، وهم يثبتون صفة الكلام اسماً، أما حقيقة الكلام فلا يثبتونها لله عز وجل، وإنما يقولون عن الكلام: إنه معنى نفسي في الله سبحانه وتعالى، وإن هذا المعنى النفسي ليس بحرف ولا صوت، وإن هذا القرآن الموجود بين أيدينا هو إما من كلام جبريل على قول بعضهم أو من كلام محمد صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن هذا ضلال، وهو وقول المعتزلة واحد، فالمعتزلة قالوا: إن القرآن مخلوق، وهؤلاء قالوا: إن كلام الله معنى، وإن هذا القرآن الذي بين أيدينا مخلوق.

ولهذا يقول شيخ المتأخرين منهم البيجوري في كتابه (تحفة المريد شرح جوهرة التوحيد): إنه يمكن لنا أن نقول: إن القرآن مخلوق، لكن على سبيل التعليم، يعني: في حلقات التعليم، وأما أمام الناس فلا نستطيع أن نقول هذا! يعني: لأنهم إذا قالوا: إن القرآن مخلوق، ألزمهم الناس بمذهب المعتزلة، وقالوا: أنتم على مذهب المعتزلة، وهم لا يريدون ذلك، ولهذا فروا من مذهب المعتزلة بطريقة ملتفة.

وعموماً هذه هي طريقتهم وهذا هو أسلوبهم ومنهجهم؛ يحاولون أن يجمعوا بين المنهج الفلسفي والمنهج القرآني ويوفقون بينهما، وفي النهاية يميلون للفلسفة، يعني: في النهاية عند التحقيق تجد أنهم يميلون للفلسفة ويتركون المنهج القرآني.

يقول: [وهو كلام الله تعالى لا يساويه شيء من كلام المخلوقين، ولا نقول بخلقه، ولا نخالف جماعة المسلمين].

وكذلك كان أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق، وينهى عن القول بخلق القرآن.

وقوله: (لا نقول بخلقه، ولا نخالف جماعة المسلمين) لأن جماعة المسلمين اتفقوا على أن القرآن كلام الله غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود، وقد أفل نجم المعتزلة عندما أظهر الله سبحانه وتعالى السنة على يد إمام أهل السنة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله؛ فإن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله فتن وامتحن في قضية خلق القرآن، وكان عمره في تلك الفترة ثمانية وخمسين سنة تقريباً، وكان هذا الإمام قد ظهر علمه، وتبنى هذه العقيدة المأمون، وامتحن الناس عليها، وصبر الإمام أحمد رحمه الله وجلد وسجن وأوذي بكل أنواع الإيذاء، لكنه صبر وكانت النتيجة - ولله الحمد - ظهور الحق، كما قال الله عز وجل: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف:١٢٨]، فانتصر الإمام أحمد رحمه الله وانهزمت المعتزلة في الجانب العلمي وضعفت واضمحلت؛ حتى إنه اختفى الاعتزال كفرقة مجتمعة، وذابت في الفرق الأخرى، فأصبح الشيعة معتزلة والخوارج الإباضية معتزلة، ولا يوجد الآن في الواقع فرقة متكاملة تدعي الأصول الخمسة التي عندهم وتسمى المعتزلة، وإن كان يوجد في بعض بلاد الشام وبعض إفريقيا من يدعي ذلك، لكنهم قلة وليسوا مثل ما كانوا في بداية أمرهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>