للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[من آداب طالب العلم]

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً مزيداً إلى يوم الدين.

أما بعد: فإن طالب العلم في طلبه وتحصيله للعلم يقوم بعبادة عظيمة من العبادات الشرعية، فطلب العلم عبادة شرعية عظيمة، وهو إما واجب عيني وإما واجب كفائي، فالإنسان عندما يشتغل في طلب العلم فإنه لا يضيع وقته وإنما يتعبد لله عز وجل كما يتعبد له بالصلاة والصيام والحج والزكاة وغيرها من الأعمال الصالحة، ولهذا جاء ذكر فضل العلم الشرعي كثيراً في القرآن، فقد جاء فضل العلم الشرعي في آيات كثيرة وفي أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فينبغي على طالب العلم وهو يقوم بهذه العبادة أن يتأدب بآدابها، وأن يعتني بأخلاقها، وأن يعرف حقها، وأن يدرك الواجب المترتب عليها، فإن لطلب العلم آداباً عظيمة: آداباً تتعلق بطالب العلم في نفسه، وآداباً تتعلق بطالب العلم في درسه، وآداباً تتعلق يطالب العلم في تعامله مع مجتمعه، وآداباً تتعلق بطالب العلم في علاقته مع شيخه ومع زميله وصديقه، وهناك آداب فيما يترتب على تحصيله للعلم ومعرفته لهذه الأحكام الشرعية العظيمة سواء كانت في باب الاعتقاد أو في باب العمل والأحكام العملية.

ومن أعظم آداب طالب العلم الذي يتحدث عنه أهل العلم كثيراً، وهو أمر مهم في كل عبادة من العبادات الشرعية: إخلاص النية لله سبحانه وتعالى، أن يبتغي الإنسان في عمله وجه الله سبحانه وتعالى؛ لأن البعض قد يعمل العمل الصالح ويجتهد فيه، وقد يبذل من العمل والجهد والتعب والنصب والمشقة الشيء الكثير لكنه هباء منثوراً لا قيمة له، وهذا إذا كان العمل لغير الله عز وجل، والحقيقة أن من أخوف ما يخاف على الصالحين بالذات الرياء، والسمعة، والجاه، والشهرة وغير ذلك من الأمراض والفتن والشهوات الخفية التي لها مسارب دقيقة جداً في النفس الإنسانية وقد لا يتنبه لها كل أحد، فإن عمل المشرك سواء كان شركه تاماً مثل شرك المشركين أو كان شركه جزئياً مثل من يعمل العمل لغير الله عز وجل شرك أصغر هذا عمله لا قيمة له، {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان:٢٣] لا قيمة له، وجاء في الحديث القدسي: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه).

والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)، فكل إنسان له ما نوى، فمن نوى الصدق والعمل الصالح، ومن نوى أن يكون صالحاً في نفسه مصلحاً لغيره مبتغياً وجه الله عز وجل نال تلك المكانة ونال الشرف العظيم، ولهذا كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكان عامة أهل العلم يحرصون غاية الحرص على تجديد النية في كل لحظة وفي كل وقت؛ لأن الإنسان قد يطرأ عليه طارئ، يتلاعب به الشيطان، وقد يعبث به، وقد يدخل عليه كثيراً من الأمور وهو ليس من أهل الرياء والسمعة، ولهذا ينبغي دائماً أن يجدد الإنسان نيته، يقول بعض السلف: طلبنا العلم لغير الله فأبى الله إلا أن يكون له.

فهذا العلم الشرعي علم شريف عظيم مهم ينبغي أن نجتهد في إخلاص النية لله سبحانه وتعالى في طلبه.

الثاني من أخلاق طالب العلم الذي ينبغي أن يحرص عليه هو: الاجتهاد في أن يعمل بعلمه، فيجتهد في العمل بعلمه في سلوكه وأخلاقه، وأن يجتهد أن يعمل بعلمه في عبادته وفي حياته كلها، وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: العلم يهتف بالعمل فإن أجاب وإلا ارتحل.

وقد صنف الخطيب البغدادي رحمه الله كتاباً عظيماً سماه: اقتضاء العلم العمل، فليس المقصود من طلب العلم جمع المسائل وحفظها، وإكثار المحفوظات وكثرة المسائل، وأن يشار إلى الإنسان بالبنان، فهذا كله مما لا قيمة له، وإنما القيمة الحقيقية هي خشية الله سبحانه وتعالى، كما قال الله عز وجل: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:٢٨]، ولهذا قال السلف: العلم خشية الله.

إذا رأيت الإنسان يخشى الله عز وجل فاعلم أنه عالم، وإذا رأيت الإنسان لا يخشى الله عز وجل حتى لو كانت محفوظاته كالبحر، وحتى لو كانت المسائل التي يدركها مثل الرمل في العدد فإنه لا قيمة لها في الحقيقة ما لم تكن مرتبطة بخشية الله سبحانه وتعالى.

وهناك قضية مهمة جداً ينبغي أن يتنبه لها وهي الحرص على التقوى وتزكية النفس قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:٩ - ١٠]، ولهذا كانت تزكية النفس أحد الأمور المهمة التي بعث النبي صلى الله عليه وسلم من أجلها، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:٢].

فمن أهداف بعثة النبي صلى الله عليه وسلم

<<  <  ج: ص:  >  >>