للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[دلالة العقل والقياس على حكمة الله تعالى في الخلق والتشريع]

ثم إن خلق الله عز وجل للشيء لحكمة لا شك أنه يدل عليه العقل أيضاً، فإنه لا يمكن أبداً أن يخلق الله عز وجل الخلق بدون أن يكون لهذا الخلق حكمة وغاية حميدة؛ فإن الإنسان العاقل عندما يفعل الفعل يسأل: لماذا فعلت هذا الفعل؟ فإذا فعله لحكمة مُدِح، وإذا فعله لغير حكمة ذم، فإذا كان هذا في المخلوق وهو مخلوق، فالخالق سبحانه وتعالى أولى بذلك وأعظم، كما هو معلوم من قياس الأولى.

إذاً: حكمة الله عز وجل ثابتة ولا شك فيها من ناحية العقل والشرع، والأدلة القرآنية مليئة بذلك، ولهذا كان من الأدلة الشرعية الكتاب والسنة والإجماع والقياس، فالقياس دليل من الأدلة الشرعية وهو دليل معتبر، والقياس المراد به هو قياس الفرع الذي يراد أن يحكم فيه على أصل محكوم فيه سابقاً؛ لوجود علة بينهما، وهذه العلة صحيحة وواضحة، والقياس دليل من الأدلة الشرعية اتفق عليه أهل العلم جميعاً، ولم يخالف فيه إلا الظاهرية، واعتبرت مخالفة الظاهرية في القياس من البدع التي عندهم، ومنها أيضاً: إنكار مفهوم المخالفة والموافقة.

ابن حزم مثلاً يرى: أن الله عز وجل عندما قال: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء:٢٣] إلى قوله: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء:٢٣].

فهو هنا نهي عن التأفف، ومفهوم الموافقة: النهي عن الضرب؛ لأنه أعظم وأشد، فيقول ابن حزم رحمه الله: لا يمكن أخذ النهي عن الضرب من هذه الآية؛ لأن هذه الآية غاية ما فيها النهي عن التأفف، ولاشك أن هذا خطأ كبير في فهم النصوص، ولهذا نص شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على أن هذه من بدع الظاهرية.

إذاً: القياس دليل مبني على العلة، وهذا دليل على أن الله عز وجل يشرع أحكامه لحكم وعلل حميدة ومفيدة، ولهذا فإن الذين أنكروا الحكمة والتعليل تورطوا في فهم للقياس، وكما أنهم يتحدثون في علم الكلام كذلك منهم يتحدثون هنا في أصول الفقه.

<<  <  ج: ص:  >  >>