للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مأخذ وصف أهل السنة والجماعة بالفرقة الناجية المنصورة]

يقول شيخ الإسلام رحمه الله: (فهذا اعتقاد الفرقة الناجية)، الوصف بالناجية مأخوذ من حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة)، فلما سئل عنها النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي).

والنجاة في هذا الحديث نوعان: نجاة من التفرق والاختلاف، ونجاة من النار التي ورد الوعيد في الحديث عنها.

وأما المنصورة فهذا الوصف مأخوذ من حديث آخر، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين)، وفي لفظ: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك).

ومعنى النصر: أنهم أصحاب ظهور وبيان وقوة في الحجة، وفي بعض الأحيان قد يكون قوة بالسيف.

فقد قال الشيخ عبد الرحمن أبا بطين في شرحه لهذا الحديث: ظاهرين بالحجة دائماً، وبالسيف أحياناً، وكذلك النصر؛ فإن النصر قد يكون نصراً بالحجة، وقد يكون في بعض الأحيان نصراً بالقوة، فأما النصر بالحجة فمعناه: أن أهل السنة والجماعة هم أقوى الناس حجة، وهم أقوى الناس استدلالاً، وقد تكون لهم في بعض الأحيان دولة وجهاداً وقوة وشوكة، وقد لا تكون لهم في بعض الأحيان هذه القوة المادية، أما الحجة فهي دائمة، وهم منصورون دائماً بالحجة والبيان والظهور، ومصدر استمداد أهل السنة والجماعة لهذا النصر مأخوذ من قوة المنهج نفسه.

فإن المنهج الذي اعتمده أهل السنة والجماعة هو منهج القرآن والسنة، وما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهو منهج قوي في الحجة والبيان والوضوح يقتنع به كل من أراد الحق، وذلك أن الصوارف التي تصرف الإنسان عن الحق نوعان: الجهل: وهو قلة العلم، والهوى: وهو اتباع الشهوة مع العلم، فإذا كان الإنسان جاهلاً ليس عنده علم؛ فإن في منهج أهل السنة -هذا المنهج القوي- ما يكفيه للاقتناع والاهتداء والاستفادة، أما إذا كان الإنسان الذي صرفه عن الحق هو الهوى فمثل هذا لا يمكن أن يقتنع، وعلاجه يكون بالسيف وبالتأديب والسلطان.

يقول: (فهذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة)، هناك حديث يورده بعض الشراح، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة)، جاء في بعض الروايات: (لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك) فقوله: (حتى تأتيهم الساعة، وهم على ذلك) يشكل عليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله)، فهذا اللفظ فيه: (لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك)، والحديث الآخر: (لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله) وهذا الحديث رواه مسلم، واللفظة الأولى لفظة صحيحة ثابتة.

والجمع بينها أن يقال: إن هذه الطائفة تكون قائمة بأمر الله عز وجل إلى قبيل الساعة، فتأتي ريح طيبة وتأخذ أرواحهم، ولا يبقى إلا شرار الخلق، وعليهم تقوم الساعة، ويدل على هذا ما رواه الحاكم في مستدركه وصححه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق، هم شر أهل الجاهلية، فقال عقبة لـ عبد الله بن عمر: اعلم ما تقول؟ -يعني: كأنه استغرب هذا القول منه- أما أنا فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك)، فقال عبد الله: يبعث الله ريحاً ريحها ريح المسك، مسها مس الحرير؛ فلا تترك أحداً في قلبه مثقال ذرة من إيمان إلا قبضته، ثم يبقى شرار الناس فعليهم تقوم الساعة.

وهذا ورد مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبهذا يزول الإشكال الذي ذكره بعض الشراح.

أما قوله: (أهل السنة والجماعة) فالوصف بالسنة هو لاتباعهم للسنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>