للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الطرائق السمعية والعقلية في إثبات صفتي السمع والبصر]

وفي هذا الكتاب أيضاً اهتم اهتماماً كبيراً بالاستدلال على بعض الصفات بالعقل، ومن ذلك السمع والبصر، فمثلاً يقول: في صفحة (٧٣): [إثبات كونه سميعاً بصيراً، وأنه ليس هو مجرد العلم بالمسموعات والمرئيات هو قول أهل الإثبات قاطبة]، ثم تحدث عن المثبتين للسمع والبصر، ثم قال: [وللناس في إثبات كونه سميعاً بصيراً، طرق: أحدها: السمع، كما ذكره -يعني: المصنف- وهو ما في الكتاب والسنة من وصفه بأنه سميع بصير، ولا يجوز أن يراد بذلك مجرد العلم بما يسمع ويرى؛ لأن الله فرق بين العلم وبين السمع والبصر، وفرق بين السمع والبصر، وهو لا يفرق بين علم وعلم إلا لتنوع المعلومات]، وهذا من الاستدلال القوي على إبطال من أول السمع والبصر بأنه العلم، وذكر الدليل على ذلك، وهو قول الله عز وجل: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأعراف:٢٠٠] ففرق بين السميع والعليم، وهكذا كل آية ورد فيها سميع عليم.

يقول: [وفرق بين السمع والبصر أيضاً عندما قال: {إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء:٥٨]].

ثم ذكر الطريق الثانية فقال: [لو لم يتصف بالسمع والبصر لاتصف بضد ذلك، وهو: العمى والصمم، كما قالوا مثل ذلك في الكلام] يعني: أنه لو لم يكن متكلماً لكان أصم [لأن المصحح بكون الشيء سميعاً بصيراً متكلماً هو: الحياة، فإذا انتفت الحياة امتنع اتصاف المتصف بذلك، فالجمادات لا توصف بذلك لانتفاء الحياة فيها، وإذا كان المصحح هو الحياة كان الحي قابلاً لذلك، فإن لم يتصف به لزم اتصافه بأضداده]، وقد سبقت الإشارة إلى هذه الطريقة، وقلنا: إن هذه طريقة قرآنية صحيحة أشار إليها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في التدمرية عند القاعدة السابعة.

ثم استطرد في الرد على الفلاسفة استطراداً طويلاً، ثم قال: [الطريق الثالث لأهل النظر في إثبات السمع والبصر: أن السمع والبصر من صفات الكمال، فإن الحي السميع البصير أكمل من حي ليس بسميع ولا بصير، كما أن الموجود الحي أكمل من موجود ليس بحي، والموجود العالم أكمل من موجود ليس بعالم، وهذا معلوم بضرورة العقل، وإذا كانت صفة كمال فلو لم يتصف الرب بها لكان ناقصاً، والله منزه عن كل نقص، وكل كمال محض لا نقص فيه فهو جائز عليه، وما كان جائزاً عليه من صفات الكمال فهو ثابت له، فإنه لو لم يتصف به لكان ثبوته له موقوفاً على غير نفسه، فيكون مفتقراً إلى غيره] إلى آخر كلامه رحمه الله.

ثم ذكر الطريق الرابع في إثبات السمع والبصر والكلام فقال: [إن نفي هذه الصفات نقائص مطلقاً]، يعني: الطريقة الثالثة: الاستدلال بالكمال، [نقائص مطلقاً سواء نفيت عن حي أو جماد، ومتى انتفت عنه هذه الصفات لا يجوز أن يحدث عنه شيء، ولا يخلقه، ولا يجيب سائلاً، ولا يعفوا ولا يعبد ولا يدعى]، ثم استدل على ذلك وبين أنها طريقة قرآنية بقول الله تعالى: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} [مريم:٤٢].

[فدل هذا على أن الذي لا يسمع ولا يبصر أنه لا يغني شيئاً، وأنه لا يستحق العبادة، والله عز وجل مستحق للعبادة، وهو الخالق سبحانه وتعالى، فلزم من ذلك: أنه سميع بصير، وهذا استدلال عقلي قرآني]، يعني: القرآن أرشد إلى الاستدلالات العقلية الصحيحة التي ليس فيها مدخل من مداخل الباطل، وليس فيها شيء من اللوازم الباطلة التي تؤثر على عقيدة الإنسان، وهو كلام نفيس في هذه المسالة.

<<  <  ج: ص:  >  >>