للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أقوال أهل البدع في تعلق الصفات بالمخلوقات]

أهل البدع عندما يأتون إلى تعلق الصفات بالمخلوقات، يقولون: إرادة الله عز وجل واحدة وقديمة لا تتعدد، وتعلقها بالمخلوقات هو من جهة تنوع المخلوقات فقط، ويسمونه: تعلقاً اعتبارياً، يقولون: تعلق اعتباري إضافي، ولا يعتقدون أنه وجودي ثبوتي.

وكذلك في السمع والبصر؛ فعندما يدعو داع من الذين يدعون الله عز وجل يسمعه، وقد كان قبل أن يسمعه سميعاً، فلما دعاه سمعه سبحانه وتعالى, وهم يقولون: إن هذا يلزم منه حدوث السمع، فإذا كانوا يقصدون: أنه يحدث لله سمع، ولم يكن من قبل سميعاً فهذا باطل لا يريده أهل السنة، وإن كانوا يقصدون أنه يسمع دعاء الداعي عندما يدعوه في ذلك الوقت، فهذا حق تثبته الأدلة وهم ينفونه، فيقولون: إن المبصرات والمسموعات الموجودة تتنوع، وقد رآها الله عز وجل من قبل برؤية واحدة، وبسمع واحد، وهم يعتبرون السمع والبصر مثل العلم، كأنه علمها بعلم واحد، وأنه لا يتجدد لله عز وجل سمع أو بصر، ويسمون هذا: حدوثاً.

وهذه الألفاظ لا ينبغي للمسلم أن يستعملها؛ لأنها ألفاظ اصطلاحية؛ كما أنه لا ينبغي للإنسان أن ينفيها نفياً مطلقاً، يعني: أن لفظ الحدوث والحيز والجهة، ونحو ذلك من الألفاظ التي يستعملها أهل الكلام ألفاظ مبتدعة مخترعة تتضمن معاني صحيحة وباطلة، فلا يصح للإنسان أن ينفيها؛ لأنه قد ينفي معها شيئاً من الحق، ولا يصح أن يثبتها؛ لأنه قد يثبت معها شيئاً من الباطل.

والصحيح: أن يستفصل عن مراد القائل بها، فإذا قال: إن هذا يلزم منه الحدوث، نقول: بين لنا معنى الحدوث؟ وماذا تقصد بالحدوث؟ فإن كنت تقصد أنه إذا وجد الأمر المبصر، أو المسموع، والله عز وجل سمعه وأبصره، فهذا يحدث لله صفةً لم تكن موجودةً من قبل، بمعنى: أن الله لم يكن سميعاً ولا بصيراً حتى وجدت المسموعات والمبصرات، فهذا باطل لا نقره، فالله عز وجل سميع بصير سبحانه وتعالى، وعندما يحدث المخلوق يراه ويسمعه سبحانه وتعالى.

وإن كنت تعني بالحدوث أنه عندما يوجد المخلوق يسمعه الله ويراه، وقد حدث قريباً، ثم إذا حدث مخلوق آخر سمعه الله أو رآه، فهذا معنى حق لا ننكره، فالله عز وجل يسمع ويرى الأشياء حتى مع تأخرها وحدوثها، فهو سبحانه وتعالى يراها ويسمعها.

وهكذا كلمة الجهة؛ فإن أهل البدع ينفون صفة العلو لله عز وجل، ويقولون: إن هذا يلزم منه أن نثبت الجهة، فنقول: ما معنى كلمة الجهة عندكم؟ إن كنتم تقصدون أن الله في العلو؛ فنحن نثبت أن الله عز وجل في العلو سبحانه وتعالى، حتى لو سميتموها أنتم جهة فلا تعكر على إثباتها تسميتكم لها بالجهة، وأما إن كنتم تقصدون أنه في جهة محددة محصورة، فهذا معنى باطل لا نقره.

ولهذا في بعض الأحيان قد يأتي بعض هؤلاء المبتدعة فيطرحون على بعض أهل السنة مصطلحات، وقد يتفاعل معها بعض أهل السنة فينفيها مطلقاً، فإذا نفاها مطلقاً نفى شيئاً من الحق، أو قد يثبتها فإذا أثبتها أثبت شيئاً من الباطل.

والصحيح هو: أن نقف عند المصطلحات الشرعية، فالعلو يسمى: علواً، والسمع يسمى: سمعاً، والبصر يسمى: بصراً؛ فإذا جاءتنا ألفاظ من هؤلاء نستفصل عن معناها، فنثبت المعنى الحق، وننفي المعنى الباطل.

هذه هي القاعدة في الألفاظ التي ترد من عند هؤلاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>