للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الإرادة الكونية والإرادة الشرعية والفرق بينهما]

والإرادة تنقسم إلى قسمين: إرادة كونية، وإرادة شرعية.

فمعنى الإرادة الكونية: أن الله عز وجل قد أراد أن يخلق هذه المخلوقات الموجودة بكل أنواعها وكل صورها الضار منها والنافع الخير والشر ونحو ذلك، فلا يمكن أن يوجد شيء في المخلوقات إلا وقد أراده الله عز وجل، ولا يمكن أن يحصل شيء لم يرده الله عز وجل من قبل، بل كل شيء أراده الله عز وجل حتى الكفر والمعاصي أرادها لحكمة، كما سبق أن أشرنا عند حديثنا عن صفة الحكمة لله عز وجل، فهذه إرادة عامة، ويدل على هذه الإرادة قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [البقرة:٢٥٣]، وقوله: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ} [الأنعام:١٢٥].

هذه الآيات تدل على هذه الإرادة الكونية، وهذه الإرادة الكونية هي نفسها المشيئة، فقوله: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا} [البقرة:٢٥٣]، هي المشيئة، معناها: أن الله عز وجل شاء كوناً هذه المخلوقات جميعاً بكل أنواعها وأصنافها.

والنوع الثاني: هي الإرادة الشرعية، وهذه الإرادة الشرعية معناها: أن الله عز وجل أراد من العباد الأعمال الصالحة، ولهذا أمرهم ونهاهم، فهي موافقة لمحبة الله عز وجل، فالفرق بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية من وجهين: الوجه الأول: أن الإرادة الكونية لابد أن تحصل في الكون، فلا يمكن أن يوجد شيء في الكون إلا وقد أراده الله عز وجل، وأما الإرادة الشرعية فإنها قد تحصل وقد لا تحصل، فنحن نرى أن الأوامر الشرعية هي: ما أراده الله عز وجل من العباد شرعاً، وقد يطيع البعض وقد لا يطيع.

الوجه الثاني: أن الإرادة الكونية منها ما يحبه الله، ومنها ما لا يحبه الله عز وجل، فقد أراد الله عز وجل وجود الأعمال الصالحة في الكون.

وهذا مما يحبه، كما أراد سبحانه وتعالى وجود الأعمال السيئة في الكون من أعمال الكفار ونحو ذلك، وهذا أيضاً مراد لله عز وجل، ولكن ليس معنى أنه مراد أنه محبوب لله.

أما الإرادة الشرعية فإنها تكون محبوبة لله عز وجل، فهو عندما أمر بالأوامر ونهى عن النواهي كان يحب من العباد أن يطيعوه فيما أمر، وأن يجتنبوا ما نهى عنه سبحانه وتعالى، فهذا هو الفرق بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية، وسيأتي الحديث عن هذا الأمر وفائدته في باب القدر، عند حديثنا عن خلق أفعال العباد، وعند حديثنا عن مراتب القدر بإذن الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>