للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بيان ما تختص به صفة الإرادة من كونها واحدة أو متعددة بحسب المرادات]

هناك مسائل متعلقة بالإرادة وهي: هل إرادة الله عز وجل إرادة واحدة غير متعددة؟ أو أنها متعددة بحسب المرادات؟ الجواب على هذا: أن الله عز وجل قدر الأشياء قبل وجودوها، وهو عندما قدرها علم ما سيفعله سبحانه وتعالى، وأراد فعله في المستقبل، فهو علمها وأراد أن يفعلها في المستقبل، وهذه هي الإرادة القديمة، وهي: إرادة الله عز وجل، وهي التي يسميها العلماء: العزم، ثم بعد ذلك عندما أرادها الله سبحانه وتعالى قديماً لم يفعلها في تلك الحالة؛ لأنه أرادها في المستقبل، فإذا جاء وقتها أراد فعلها؛ لأن الفعل المعين المحدد لابد له من إرادة، وهذا هو القصد، فالأول: عزم، والثاني: قصد.

فالله عز وجل عندما قدر المقادير أراد أن يفعل ما يفعله في المستقبل.

هذه إرادة قديمة، وهي التي يسميها العلماء العزم، فإذا جاء وقتها أراد الله عز وجل فعلها، فيفعلها سبحانه وتعالى، وهذا يسميه العلماء قصداً.

وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله اختلاف أهل العلم في وصف الله عز وجل بالعزم، هل يجوز أن يوصف الله عز وجل بالعزم أو لا يجوز؟ فذكر فيها قولين: أصحهما: القول الثاني وهو الجواز، واستدل على ذلك بقول الله عز وجل: {فَإِذَا عَزَمْتُ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [آل عمران:١٥٩]، هذه الآية فيها قراءتان: القراءة الأولى وهي قراءة الجمهور: {فَإِذَا عَزَمْت فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [آل عمران:١٥٩].

والقراءة الثانية: قراءة عكرمة وأبي جعفر وغيره: {فَإِذَا عَزَمْتُ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [آل عمران:١٥٩]، فتصبح التاء هنا تاء المتكلم.

وكذلك يدل على إثبات صفة العزم لله عز وجل: ما رواه مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها عندما توفي زوجها أبو سلمة، وحزنت عليه حزناً شديداً، فعلمها النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء المشهور، فقالت: (ثم عزم الله لي فتزوجت رسول الله صلى الله عليه وسلم)، بمعنى: أراد الله عز وجل لي قبل أن أتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>