للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[نقد كلام القرضاوي في نسبة السلف إلى التفويض واتفاقهم مع المؤولة ودفاعه عن الأشاعرة]

هذه مجلة المجتمع العدد مائة وسبعة وثلاثين في خمسة وعشرين جماد الآخر ألف وأربعمائة وعشرين، هناك موضوع يتعلق بموضوع توحيد الأسماء والصفات للدكتور القرضاوي يكتب: الإخوان المسلمون سبعين عاماً في الدعوة والتربية والجهاد، وتعرض الدكتور القرضاوي لآيات الصفات وأحاديثها التي نتحدث عنها في هذه الدروس.

يقول: (قد علمت أن مذهب السلف في الآيات والأحاديث التي تتعلق بصفات الله تبارك وتعالى: أن يمروها على ما جاءت عليه، ويسكتوا عن تفسيرها أو تأويلها، وأن مذهب الخلف أن يؤولوها بما يتفق مع تنزيه الله تبارك وتعالى عن مشابهة خلقه).

ولا شك أن هذا الكلام ليس بسليم وليس بصحيح؛ لأن مذهب السلف هو: إثبات أسماء الله عز وجل وصفاته من غير تعطيل ولا تحريف، وأما ما حكاه عن مذهب السلف فهو مذهب المفوضة الذين لا يثبتون معاني صفات الله سبحانه وتعالى.

والمفوضة مع كونهم لا يثبتون معاني صفات الله عز وجل فهم ينفونها في الحقيقة، يعني حقيقة مذهب المفوضة: هو أنهم ينفون الصفات لكن لا يحددون المراد من الآية، فالمفوضة والمعطلة من الأشاعرة الجهمية وغيرهم يتفقون جميعاً على نفي صفات الله عز وجل، لكن المفوضة يقولون: لا نعرف معنى الآية، والمؤولة يقولون معناها: كذا وكذا، إذاً: لجميع يتفق على نفي صفات الله سبحانه وتعالى، ومع هذا يقول: إن هذا هو مذهب السلف وهذا ليس بصحيح.

يقول: (كل منهما) يعني: من الطائفتين اللتين حكاهما، وهم جميعاً ينفون الصفات، ونسب إلى السلف أنهم مفوضة، يقول: (كل منهما يقطع بأن المراد بألفاظ هذه النصوص في حق الله غير ظواهرها -وهذا كلام باطل- التي وضعت لها هذه الألفاظ بحق المخلوقات، وذلك مترتب على اتفاقهما على نفي التشبيه).

يعني: نفس كلام الأشاعرة ونفس كلام المفوضة، ومع أن موضوع الأشاعرة والمفوضة انتهى منذ زمان بعيد، وصار عدد كبير -ولله الحمد- من الدعاة وطلاب العلم يعرف أن الأشاعرة والمفوضة ليسوا من أهل السنة، وتعلمون أن إثبات الصفات هو عقيدة أهل السنة والجماعة، ومع هذا يحاول الدكتور القرضاوي أن يبرر للمفوضة وللمعطلة؛ لأن شيخه حسن البنا رحمه الله قد حكى أن مذهب السلف: هو التفويض، ولا شك أن هذا من التعصب -والعياذ بالله- للأشياخ.

يقول: (وأن اللغات مهما اتسعت لا تحيط بما ليس لأهلها بحقائقه علم، وحقائق ما يتعلق بذات الله تبارك وتعالى من هذا القبيل، فاللغة أقصر من أن تواتينا بالألفاظ التي تدل على هذه الحقائق كالتحكم في تحديد المعاني لألفاظ التغرير.

وإذا تقرر هذا فقد اتفق السلف والخلف على أصل التأويل، وانحصر الخلاف بينهما بأن الخلف زادوا تحديد المعنى المراد حيثما ألجأتهم ضرورة التنزيه إلى ذلك حفظاً لعقائد العوام من شبهة التشبيه، وهو خلاف لا يستحق ضجةً ولا إعناتاً).

هو في الحقيقة لم يفهم مذهب السلف الصالح، فمذهب السلف الصالح: إثبات الصفات وليس تفويضها وعدم الإقرار بمعانيها، فهو -إذاً- حكى أن مذهب السلف: هو نفي الصفات لكن بدون تحديد للمعنى المراد من الآية؛ لأنه قال: وقد اتفق الجميع -يعني: السلف والخلف في تصوره- بأن المراد بألفاظ هذه النصوص في حق الله تبارك وتعالى غير ظواهرها.

مسألة هل ظواهر النصوص مرادهَ أو غير مرادهَ؟ هذه تحدث عنها العلماء قديماً، منهم ابن تيمية رحمه الله في الفتوى الحموية المشهورة، وبين أن مقولة: (إن منهج السلف أسلم ومنهج الخلف أعلم وأحكم) أنها مقولة باطلة مبنية على أن مذهب السلف هو التفويض، كما فهمه الدكتور القرضاوي.

ثم نقل عن الشيخ البنا رحمه الله أنه يقول: (ونحن نعتقد أن رأي السلف من السكوت وتفويض علم هذه المعاني إلى الله تبارك وتعالى أسلم وأولى بالاتباع حسماً لمادة التأويل والتعطيل).

وهو في الحقيقة: نفي للصفات لكي لا يفهم من معانيها شيء.

يقول: (ونعتقد إلى جانب هذا: أن تأويلات الخلف لا توجب الحكم عليهم بكفر ولا فسوق -والكلام للبنا - ولا تستدعي هذا النزاع الطويل بينهم وبين غيرهم قديماً وحديثاً).

كأنه يظن أن النزاع صوري ولفظي، مع أن المعركة التي حصلت بين السلف الصالح رضوان الله عليهم وبين المفوضة والمعطلة معركة حقيقية لها بناء عميق، وخلاف منهجي قوي جداً، ومع هذا يقول: هذه المسألة لا تحتاج إلى نزاع، وكأنه يقول: إن هؤلاء كانوا ينازعون في أمور لفظية.

يقول: (وقد لجأ أشد الناس تمسكاً برأي السلف رضوان الله عليهم إلى التأويل في عدة مواطن، وهو الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه؛ من ذلك تأويله لحديث: (الحجر الأسود يمين الله في الأرض) وقوله: (قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن) وقوله صلى الله عليه وسلم: (إني لأجد نفس الرحمن من جانب اليمن).

انظروا: يظنون أن هذه من التأويلات.

هذه المسألة بحثها الشيخ محمد بن عثيمين في كتابه القواعد المثلى، وأنا أطلب

<<  <  ج: ص:  >  >>