للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[نفي الصفات السلبية عن الله وإثبات كمال ضدها]

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن نبينا محمداً إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً؛ إنك أنت العليم الحكيم.

في الدرس الماضي تحدثنا عن بعض الصفات الاختيارية، وهي صفة المكر والكيد بالكافرين، وكذلك صفة العفو والعزة والمغفرة والقدرة، وتحدثنا أيضاً عما يتعلق بإثبات اسم الله عز وجل، وأن لله أسماء حسنى، وتحدثنا أيضاً عن الفرق بين الاسم والمسمى، كما تحدثنا عن الصفات السلبية، والصفات السلبية هي: الصفات المنفية عن الله سبحانه وتعالى، وهذه الصفات تنقسم إلى قسمين: صفات سلبية عامة، بمعنى: أن السلب فيها عام، كقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١]، وهناك سلبٌ مفصل، كنفي الولد عن الله عز وجل أو التعب أو الجهل أو نحو ذلك من صفات النقص التي نفاها الله عز وجل عن نفسه، وقلنا: إن هذه الصفات السلبية لها قاعدة مشهورة من قواعد الصفات، وهي: أن النفي في صفات الله عز وجل يتضمن إثبات كمال الضد، فنفي الجهل لكمال علمه، ونفي النوم لكمال حياته وقيوميته، ونفي التعب لكمال قدرته سبحانه وتعالى، وهكذا النفي يدل على إثبات كمال الضد.

ثم ذكرنا الآية المذكورة في سورة المؤمنون، وهي قول الله عز وجل: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [المؤمنون:٩١]، هذه الآية قلنا: إنها برهان عقلي على وحدانية الله عز وجل، وقد استخدم فيها أسلوب السبر والتقسيم.

والسبر والتقسيم من الطرق العقلية المستخدمة في القرآن، ومعنى التقسيم: حصر المعاني والأقسام التي يمكن أن تترتب على شيء من الأشياء بشرط أن تكون هذه المعاني أو الأقسام محصورة، ثم سبر هذه المعاني والأقسام وتمحيصها، ومعرفة حكم كل نوع منها، فيخلص لك في النهاية أن مجموعة منها باطلة، وأن واحداً منها هو الحق، فمثلاً: قول الله عز وجل: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} [المؤمنون:٩١]، المعنى هنا: ما كان معه من إله، ولو كان معه إله ماذا سيحصل؟! ذكر هنا قسمين، وهي قسمة محصورة فقال: {لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ} [المؤمنون:٩١]، هذا القسم الأول.

ثم قال: {وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [المؤمنون:٩١]، هذا القسم الثاني.

ولا يوجد هناك قسم صحيح إلا الأخير، وهو أن تكون هذه الآلهة باطلة جميعاً إلا الله سبحانه وتعالى الواحد، فإذا أبطلنا أن يذهب كل إله بما خلق، كما هو الواقع المشهود الآن، وإذا أبطلنا أن يعلو بعضهم على بعض؛ لعدم وجود الصراع كما نلاحظه في الكون، فلا يبقى إلا أن مدبر هذا الكون واحد، وهو الله سبحانه وتعالى.

إذاً: هذا برهان عقلي استعمل في القرآن الكريم.

<<  <  ج: ص:  >  >>