للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ذكر ردود شيخ الإسلام ابن تيمية على منكري صفة الكلام ومؤوليها]

وقبل هذا أحب أن أشير إلى الكتب التي ناقشت هذا الموضوع بشكل مفصل، فـ ابن تيمية رحمه الله رد على الأشاعرة الذين قالوا: إن الكلام هو معنى قائم بذات الله عز وجل، رد عليهم في كتاب خاص سماه: (التسعينية) وهو مطبوع الآن في مجلدين ومحقق، وطبع قديماً ضمن الفتاوى المصرية في المجلد الخامس، وقد ألفه رحمه الله في سنة ٧٠٦ من الهجرة عندما كان بمصر، رد فيه على الأشاعرة من أكثر من تسعين وجهاً، ورد فيه على الرازي بالذات بما يقارب الستة والسبعين وجهاً؛ لأن الرازي دافع عن تأويلهم لكلام الله عز وجل بأنه الكلام النفساني فقط.

وأيضاً من الكتب في هذا رسالة ضمن مجموعة الفتاوى اسمها: (المسألة المصرية في القرآن)، هذه أيضاً في الحديث عن صفة الكلام، وأيضاً من الرسائل التي تحدث ابن تيمية رحمه الله فيها عن صفة الكلام: (رسالة الكيلانية) وهي مطبوعة أيضاً ضمن مجموع الفتاوى، وهناك مجلد خاص في مجموع الفتاوى عنوانه: (القرآن كلام الله) مليء بالأسئلة التي سئل فيها شيخ الإسلام رحمه الله عن هذه الصفة، وتحدث فيها عن عقيدة أهل السنة ورد فيها على الفرق الضالة.

الشاهد: أن شيخ الإسلام رحمه الله قال لهؤلاء الأشاعرة: أنتم قلتم: إن الكلام هو الكلام النفسي، فالكلام النفسي إما أن يكون خبراً أو أمراً أو نهياً، فالخبر إذا كان نفسياً فهو العلم، والأمر والنهي إذا كان نفسياً فهو الإرادة، فمعنى هذا: أنكم لا تثبتون في الحقيقة كلام الله عز وجل، وإنما تثبتون العلم والإرادة، وسميتم مجموع العلم والإرادة الكلام النفسي.

فمعنى هذا: أن شيخ الإسلام رحمه الله جاء إلى الصفة التي أثبتوها بغير وجهها الصحيح، وقال: إنكم في الحقيقة لا تثبتون صفة من صفات الله اسمها صفة الكلام، وإنما جمعتم العلم والإرادة وسميتم ذلك كلاماً نفسياً، فمعنى هذا: أنكم لا تثبتون الصفة، وهم يقولون: لا، بل نحن نثبت الصفة، فقال: إذاً: فرقوا لي بين العلم والخبر في الكلام النفسي، وبين الإرادة والأمر والطلب في الكلام النفسي، فما استطاعوا أن يفرقوا بينهما بوجه من الوجوه، وحينئذٍ هذا يدل في الحقيقة أنهم مخطئون.

وهم أرادوا أن ينزهوا الله عز وجل فوقعوا فيما فروا منه من وصف الله بالنقص؛ حيث وصفوه بأنه لا يتكلم أبداً، والأشاعرة في الحقيقة يقولون: إن القرآن هذا الذي نقرؤه نوعان: نوع معنى، وهذا المعنى هو كلام الله، ونوع ألفاظ وحروف، وهي التي نقرؤها، وهذه عندهم مخلوقة، ولهذا قالوا: إن القرآن الذي بين أيدينا الله عز وجل أعطى المعنى لجبريل عليه السلام وجبريل أعطى المعنى لمحمد صلى الله عليه وسلم، فبعضهم قال: إن هذه الألفاظ من فعل جبريل، وبعضهم قال: إن هذه الألفاظ من فعل محمد صلى الله عليه وسلم.

فإذا قيل لهم: كيف أعطى الله عز وجل المعنى لجبريل؟ قالوا: خلق له إدراك هذا المعنى.

إذاً: فهم في الحقيقة توصلوا إلى أن القرآن مخلوق، لكن لا يستطيعون أن يقولوا: إن القرآن مخلوق، بشكل مكشوف؛ لأن قضية خلق القرآن قضية مشهورة في الفكر الإسلامي، والحديث عنها والصراع بين الإمام أحمد رحمه الله وأهل السنة وبين المعتزلة مشهور، فما استطاعوا أن يقولوا بهذا القول.

وهم في الحقيقة وقفوا في مفترق طرق، وقفوا بين قول أهل السنة: إن الكلام صفة، فإذا قلنا: إنه مخلوق، فمعنى هذا: أن المتكلم هو ذلك المخلوق، ففروا من هذا، فقالوا: إذاً: المتكلم هو الله، فجاءوا وقالوا: المتكلم هو الله، فألزمهم المعتزلة بأنكم إذا قلتم: إن المتكلم هو الله فمعنى هذا أن الكلام يحدث شيئاً بعد شيء ويكون هذا دليلاً على حدوث هذه الصفة، فإما أن تبطلوا دليل الحدوث الذي أثبتم به وجود الله، وإما أن تبطلوا صفة الكلام فلا تقولوا: إن الله يتكلم، فقالوا: بل نبطل صفة الكلام، بمعنى: أن يكون الكلام هو الحروف والأصوات، ونثبت أن الكلام هو معنى قائم بالله، فأتوا ببدعة جديدة لا يعرف لها مثال سابق، وأرادوا أن يستدلوا على هذا، فاستدلوا على ذلك بقول عمر عندما ذهب مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى سقيفة بني ساعدة: (فزورت في نفسي قولاً).

قالوا: هذا يدل أن حديث النفس يسمى قولاً، فرد عليهم شيخ الإسلام، وقال: هذا باطل: بل هذا الخبر من عمر رد عليكم؛ فإنه فرق بين حديث النفس وبين القول، فقال: زورت في نفسي قولاً، ولو كان حديث النفس هو القول لقال: تكلمت بكذا وكذا، مع أن عمر رضي الله عنه لم يتكلم، بل تكلم الصديق فكفى وأشفى.

فكلمة عمر رضي الله عنه فيها تفريق بين حديث النفس وبين الكلام، وأنتم تعلمون أن حديث النفس ليس فعلاً مستقلاً أو ليس شيئاً -يعني- يستقل، فأنت عندما تحدث نفسك - مثلاً - بأنك ستتكلم بكذا وبكذا وبكذا بعد فترة، ولم يأتِ وقته، هل تقول: إنك تكلمت؟ لا تقول: إنك تكلمت، وهذا معروف في لغة ا

<<  <  ج: ص:  >  >>