للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[نقد تعليلات الرازي لعدم قبوله لأحاديث الآحاد في باب العقائد]

وقد تكلم الرازي في كتابه أساس التقديس -وهو من الأشاعرة- عن مسألة أخبار الآحاد وقال: إنها غير مقبولة في العقيدة, وعلل لذلك بتعليلات يقشعر لها جلد المسلم, فقال: إن أخبار الآحاد لا تقبل في العقيدة، لأن الثقة -أولاً- مرتفعة عن الصحابة؛ لأنهم تقاتلوا فيما بينهم، وكل شخص منهم قتل الثاني.

قال: والسبب الثاني: هو أن الزنادقة وضعوا أحاديث، ولسلامة قلوب المحدثين -يعني: لغفلتهم- قبلوها وزعم أن أحاديث البخاري ومسلم فيها أحاديث من وضع الزنادقة, وهذا لجهله.

وزعم أموراً أخرى لا أستحل نقلها.

والسبب في الوصول إلى هذا المستوى المنحط في التعامل مع سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ هو عدم تقدير الرسول صلى الله عليه وسلم, وهم لا يرجون لله وقاراً في الحقيقة, لو كانوا يرجون لله وقاراً لما عللوا بهذه التعليلات الفاسدة الباطلة, في الوقت الذي يقبلون فيه كلام الأخطل في قوله: إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا فقبل قول الأخطل وهو نصراني, ولم يثبت عنه, ولم ينقل نقلاً متواتراً، وهو مخالف للغة, وفيه روايات متعددة, فقبل كلامه لأنه يوافق هواه, ورد أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنها لم توافق هواه، وهذا هو الضلال بعينه.

وهكذا الإنسان إذا اشرب قلبه بالبدعة يصل إلى هذه الطريقة ويتخبط ويضل وينحرف ويقول المقالات العظيمة المخالفة لشرع الله التي هي في بعض الأحيان قد تخرجه من الدين، والعياذ بالله.

ولهذا فلنحذر غاية الحذر من الهوى الذي يصل بالإنسان إلى هذه الطريقة وإلى هذا المستوى المنحط, وهذا من مصادر الاستدلال التي يخالفنا فيها الأشاعرة, فكيف يقول مثلاً الدكتور يوسف القرضاوي وغيره -من الذين لا يعرفون حقيقة الخلاف بين أهل السنة الأشاعرة-: إن الأشاعرة من أهل السنة؟! وكيف يكونون من أهل السنة وهم يخالفوننا في الأدلة؟! فنحن نعتبر أخبار الآحاد أدلة صحيحة عن العقيدة وهم لا يعتبرونها, فكل أحاديث الصحيحين غير مقبولة عندهم في العقيدة, وكذلك بقية أحاديث الكتب الستة غير مقبولة في العقيدة عندهم, فالخلاف بيننا وبينهم خلاف منهجي وجذري, وليس خلافاً سطحياً وبسيطاً كما يظن بعض هؤلاء الذين لم يتعلموا العلم من أصوله الصحيحة, ولم يدركوا هذه المسائل, وإنما أخذوها بشكل عاطفي, مثل: الدكتور القرضاوي وغيره من الذين يقولون: إن الأشاعرة من أهل السنة, فهم لم يدرسوا كتب الأشاعرة ولا يعرفونها, ولا يعرفون الخلاف بين أهل السنة والأشاعرة، ولا يدركون ما هو, ولم يقرءوا كتب ابن تيمية رحمه الله, ولا كتب السلف السابقين، ولم يدرسوا العلم دراسة تفصيلية, وإنما درسوا دراسات سطحية، ثم يتربعون على عرش الإفتاء والتوجيه للناس, ويأتون بهذه المقالات العجيبة الغريبة, مع أن الخلاف بيننا وبين الأشاعرة خلاف جذري كما نلاحظ في مصادر الاستدلال, وفي منطلقات الإنسان في معرفته لصفات الله عز وجل ولأسمائه ولأحكام العقيدة.

فإذاً: أخبار الآحاد مقبولة، ومن أراد الأدلة على ذلك فليراجع كتاب أخبار الآحاد من صحيح البخاري ففيه عشرون حديثاً استدل بها البخاري رحمه الله على قبول أخبار الآحاد وعدم ردها.

وأن ردها من البدع المنحرفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>