للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[آية سورة القيامة]

وهذه الأدلة التي ذكرها الشيخ هي قول الله عز وجل: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:٢٢ - ٢٣] فالأولى ناضره بالضاد بدون ألف، والثانية بالظاء بألف، فقوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [القيامة:٢٢]، من النضرة، وهي: البهاء والجمال.

{إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:٢٣] والمقصود بالنظر هنا نظر العين، وذلك: أن مادة (نظر) إما أن تتعدى بنفسها، وإذا تعدت بنفسها فإنها تكون حينئذ بمعنى: الانتظار، كقول الله عز وجل: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد:١٣]، وكقوله تعالى: {مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً} [يس:٤٩]، وكقوله: {فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} [النمل:٣٥].

والفعل ينقسم إلى قسمين: لازم، ومتعد.

والفعل اللازم هو: الذي يكتفي بفاعله.

والفعل المتعدي هو: الذي يطلب مفعولاً.

والفعل المتعدي ينقسم إلى قسمين: متعد بنفسه، وهو: الذي يطلب المفعول بنفسه، بدون صلة.

متعد بصلة، وهو: الذي يتعدى إلى مفعوله بحرف من حروف الجر.

فإذا تعدى الفعل (نظر) بنفسه فيكون النظر بمعنى: الانتظار، كما في قوله تعالى: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد:١٣]، أي: انتظرونا، وقوله: {مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً} [يس:٤٩]، يعني: ما ينتظرون إلا صيحة، وقوله: {فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} [النمل:٣٥]، يعني: منتظرة بم يرجع المرسلون.

وإذا تعدى فإما أن يتعدى بحرف (في)، وإما أن يتعدى بحرف (إلى)، فإذا تعدى بحرف (في) فيكون معنى النظر: التفكر والاعتبار والاتعاظ، كقول الله عز وجل: {أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الأعراف:١٨٥]، يعني: أولم يعتبروا ويتفكروا في ملكوت السماوات والأرض.

وأما إذا تعدت (بإلى) فإنها تكون نصاً في الرؤية بالعين، كقوله تعالى: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية:١٧]، وكيفية النظر إلى خلق الإبل لا يتم إلا إذا نظر الإنسان إليها بعينه، وكذلك قوله تعالى: {انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ} [الأنعام:٩٩]، يعني: انظروا بأعينكم، وكقوله أيضاً في قصة الرجل الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه: {فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ} [البقرة:٢٥٩]، ومعنى النظر هنا: النظر بالعين.

ويزيد التأكيد على أن النظر في هذه الآية: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:٢٢ - ٢٣] بالعين هو: أن النظر جاء متعدياً (بإلى)، وهو نص في رؤية العين، ثم إنه أضيف إلى الوجه، وليس في الوجه ما يمكن أن ينظر به إلا العين، فعلم من هذا أن قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:٢٢ - ٢٣]، يعني: إلى ربها ناظرة بعيونها.

فالمؤمنون يرون الله عز وجل يوم القيامة بعيونهم التي في رؤوسهم.

وبعض المبتدعة يقول: إن النظر في هذه الآية معناه: الإدراك العقلي والشعور النفسي والفكري فقط، وأنه لا يمكن أن يرى الله عز وجل بالعين التي في الرأس مع هذه التأكيدات التي تدل على أن الآية المقصود بها النظر بالعين التي تكون في الرأس.

<<  <  ج: ص:  >  >>